منبر العراق الحر :
ارتبط يوم 8 شباط بحادث دموي رهيب اجتاح العراق من أقصاه إلى أقصاه، ذلك ما حدث بمثل هذا اليوم عام 1963، انقلب فيه البعثيون والقوميون على نظام عبد الكريم قاسم، وأسقطوه بالرصاص والقتل الجماعي الذي استهدف الشيوعيين والقاسميين وغيرهم ممن دافع عن نظام الجمهورية وزعيمه قاسم الذي انقض بدوره على النظام الملكي عام 1958، وأسقطه ليقيم النظام الجمهوري.
كانت أيام المجازر في العراق تسمى ثورات، ومجزرة تعقب أخرى، حتى جاء حكم حزب البعث إلى السلطة ليطيح بأزلام النظام العارفي، ويبدأ فصلا جديدا من سلسلة مجازر بشرية وثقافية وأخلاقية، مكثت زهاء ثلاثة عقود ونصف 1968-2003، حتى أطاح به الاحتلال الأمريكي للعراق، الذي جاء بنظام هجين يجمع ما بين الديمقراطية والاستبدادية واللصوصية، فأصبح العراق منزوع السيادة الوطنية ومستقبلا لاحتلالات عديدة سياسية وطائفية وثقافية وغيرها، ولا نعلم ماذا يحمل المستقبل من تحولات أو انقلابات جديدة، وإلى أي مدى زمني سوف يستمر النظام الحالي!
باختصار شديد نستطيع القول إن ثلاثة أسباب رئيسة تجعل العراق موضع تغيرات سياسية وانقلابات مستمرة في البنية الفوقية لنظامه السياسي، وهي:
أ/ امتلاكه لثروة نفطية ومخزون هائل للنفط والكبريت، ناهيك عن الموارد الطبيعية والبيئية والسياحية وغيرها، ما يجعله بلدا غنيا وفق التقديرات النظرية، وموضع إغراء الدول الطامعة بخيراته للتدخل بشؤونه وإعادة صياغة نظامه السياسي.
ب/ موقعه الجيوسياسي في الشرق الأوسط، وإذ يشكل الرابط بين آسيا وأوروبا، ويشكل امتدادا لأغنى بحيرات النفط والغاز بالعالم، فإنه يحادد دولتين كبيرتين هما إيرانية وتركيا، لم يخفيا رغبتهما لامتلاك العراق واحتلاله كلما سمحت ظروف تفككه الداخلية، وضعفت قوة سلطاته السياسية والعسكرية.
ج/ التخلف العشائري والاجتماعي الذي غيب بدوره وجود النواة الوطنية الصلبة والجامعة لروح المواطنة ووحدة الموقف، بل عادة ما تطغى الغلبة الطائفية والمناطقية في ظل أنظمة سياسية متعاقبة، تغيب عنها فكرة بناء دولة الأمة، بل تُشغل في بناء سلطاتها ونفوذها الاستبدادي وتشتيت وحدة النسيج الوطني.
السؤال المهم الآن، هل استفادة الطبقة السياسية الحاكمة منذ 22 سنة من تجارب تاريخ العراق في المراحل السابقة؟
الجواب.كلا، بل نستطيع القول، وفي ضوء معطيات الفشل والفساد والتخلف الاجتماعي والثقافي والسياسي، أن ما يحدث في العراق ظاهرة غير مسبوقة في انعدام معايير الحكم والعدالة الاجتماعية والفوضى في هرمية الدولة والمجتمع، وكل ما يتصل بالحياة الطبيعية التي تعيشها دول العالم.
