منبر العراق الحر :
كانت شامة سيدة في ريعان شبابها ،حين قدمت إلى مدينة الدارالبيضاء،تحت طلب خالتها التي لم ترزق أطفالا رغم طول
فترةزواجها ،وكان الطلب مريحا لوالد هبة التي فقدت أمها نتيجة إصابتها بمرض السل ،الذي لم يحتمله جسدها الهزيل
سافرت شامة الى المدينة التي طالما سمعت عنها،من خلال ما كانت تحكيه خالتها ،وعن الفرق الكبير بينها وبين هذه المناطق النائية التي ظلت بعيد ة عن كل مظاهر التحضر.
كانت الخالة قد رحلت الى الدار البيضاء منذ فترة طويلة ،حصلت
ئ فيها على عمل لدى إحدى الاسر الفرنسية ،التي أخدت عنهاالشيئ الكثير فيما يخص أسلوب العيش الفرنسي ،ولو في حده الأدنى .
ظلت شامة تعيش صحبة خالتها ،التي كانت تشرف على تلقينها كل ما يتعلق بتدبير البيت ونظامه ، فأجادت في تعلمها ،وبرعت في ذلك .
كان والدها يزوهما كلما حل بمدينة الدار البيضاء ،حيث يقوم بزيارة اهله وأقاربه ،،حاملا لهم معه زيتا طبيعيا ،عسلا ،،لوزا ..كان كريما طيبا ،مما جعل أقاربه لا يبخلون عليه بدورهم في إكرامه وجزل العطاء له.
انتبه الاب الى أن ابنته قد كبرت ،هي التي لم تتجاوز الخامسة عشر سنة ،فتحدث الى خالتها ،وطلب منها ان تزوجها والا أخدها الى بيته هناك في أقاصي البادية . لم يكن الامر سهلا ،خصوصا وان الخالة لا تختلط بأي كان ،ولا سبق لها ان كانت يوما وراء تزويج احدهم .
تحدتث الى صديقتها التي تعمل معها كطباخة لدى الأسرة الفرنسية
:
فأفتت عليها بالامر التالي :لي ابن خالة يقطن خارج البيضاء ،يعيش مع أسرته ،وأظنه سيوافق على هذا الارتباط ،خصوصا وأن عزوبته قد طالت ،واصبحت محط حديث والديه وأقرباىه .
تمت خطبة شامة فزواجها من مبارك ،كان هذا هو اسمه ،فتى شديد السمرة ،طويل القامة ،يرتدي على الدوام لباسا عصريا إسوة بالاجانب الذين كانوا يقطنون في مزرعاتهم الممتدة على طول شاطى زنانة .والتي كان البسطاء من الناس يشتغلون لديهم مقابل اجر زهيد ، ويسكنون أكواخا تحيط بجوانبها أراض زراعية ،وافرةالخصوبة والعطاء .
انتقلت شامة الى بيت زوجها وأسرته المكونة من أبويه وأربعة إخوته ، وكذلك من جده وجدته ،وزوجة جده الثانية
كان الجميع يعمل طيلة النهار في احدى المزارع ،وحين يأتي الليل ،يتحلقون حول الجد البشوش والطيب ليحكي لهم حكايات تصل الى أزمنته القديمة هو القادم من عمق الصحراء .
كانت شامة سعيدة في زواجها ،،،خصوصا وأن أهل زوجها كانوا يحسنون معاملتها كثيرا ،ويحاولون تخفيف حزنها كلما تعرضت لاجهاض،ظل يلازمها الى حين اقتناعها ،ومعها افراد هذه العائلة انها لن تنجب أبدا .
كانت تأسى كثيرا كلما داهمها الشعور بخيبة أملها في ان ترزق بولد او بنت ،لم تكن تفضل جنسا على ٱخر ،كانت تخفف عن نفسها وهي تردد ،الخلفة رزق من الله ،وانا لم اكن
محظوظة أبدا ،ربما هناك حكمة ما من وراء ذلك .
ظلت حياتها الزوجية هادئة ،الى أن بدأت تلاحظ أن زوجها بدات
تظهر عليه علامات الاهمال لها ، كما لا حظت مبالغته في التنأق والاعتناء بمظهره كلما هم بالخروج يوم الاحد ،الذي هو يوم عطلته الأسبوعية التي يلتقي فيها بأصدقائه في احدى المقاهي ،،للعب الورق ،او لتجزية الوقت ،بعد أسبوع من العمل المضني .
ظل الزوج على هذا الحال مدة شهور ،الى حين أن بلغ الى مسامع شامة أنه يصاحب في خرجاته هاته نساء اخريات ،وربما يبحث عن زوجة ثانية تكمل معه رحلة العمر .
لم تستغ شامة هذه الاخبار المقلقة التي تناقلتها السن الجارات ،وهمس بها أهله الذين لم يرضوا بما قام به ابنهم ،خصوصا وأن زوجته لم يصدر عنها يوما ما ،ما يدعوه لهذا التحول .
هل تراه يرغب في أن يرزق بالذرية ؟
لاعيب في ذلك تقول احدى الجارات لاخرى،لترد ثالثة ،لكن ،ما ذنبها هي ان لم ترزق بالذرية .
في صباح باكر ،وبينما كان الجميع نياما ،غادرت شامة بيت الزوجية ،قاصدة منزل خالتها ،التي ما ان رأتها ،حتى أدركت ان الأمر جلل
ارتمت شامة على كتف الخالة ،وبكت بحرقة ،وهي تشتكي من ظلم زوجها لها ومن غدره وعدم وفائه بوعوده التي أسمعها وهما في بدايات زواجهما .
مسحت الخالة دموعها ،واحتضنتها بحنان ،
انها ابنة اختها الغالية ،ولن تسمح لأي كان أن يعبث بكرامتها .
استفاقت عائلة زوجها على خبرمغادرتها بين الزوجية ،فنزل بهم الحزن عليها ،والغضب من ابنهم المتهور .
ارسل الوالد في طلب ابنه ،وطلب منه ان يذهب للبحث عن زوجته ،وان لا يعود الا وهي تصحبه .
رفض مبارك الاذعان لوالده بحجة أنها قامت بعمل يوجب
معاقبتها ،وليس التعاطف معها .
غادر البيت ،ولم يعد الا في منتصف الليل.
ما ان فتح الباب ، حتى لمح اباه جالسا على مصطبة ، وقف متسمرا في مكانه .
سأله والده :اين كنت طيلة هذا الوقت ؟
هل كنت تبحث عن زوجتك ،ام تراك كنت لاهيا عنها ؟
لم يجرء مبارك ان يرد على والده ،فقط ارتمى على رجليه محاولا تقبيلها ،وطلب الصفح منه .
لكن ،اباه منعه من ذلك ،زاجر ا إياه .
هل تريد أن تمحو بهذا فعلتك المشينة ؟
لا يمكنك ان تفعل بي هذا ،انت لم تظهر لي أي احترام ،ولا لاسرتك ،ولا لزوجتك المسكينة .من اليوم فصاعدا ،اذهب وابحث
لك عن مكان يأويك ،انا لا يشرفني أن تحمل اسمي بعد اليوم .
حاول مبارك ان يقبل يدي ابيه ورأسه ،لكن ،الوالد كان صارمة في قراره .
ورغم توسل أمه وزوجة ابيه له ،
لم يحصل على السماح المرغوب .
ساعتها نطق في استعجال ،لا تقس علي يا والدي ،ساذهب للبحث عن زوجتي ،ولن اعود الاوهي معي .
عندها ،نظر اليه والده بنظرة تشي بالرضى ،وغادر المجلس الى غرفة نومه تتبعه نساؤه .
قام مبارك عند مطلع الشمس ، ،وهو يمني نفسه بالتوفيق فيما هو مقبل عليه .
غادر البيت الكبير ،ركب دراجته النارية ،وقصد بين الخالة .
طرق الباب بلطف ،ثم أعاد طرقه الى أن سمعته ،،فتحت الخالة الباب ،ونظرت اليه بجفاء ، بلغ ريقه ،وتبعها الى الداخل .
جلس على حافة كرسي خشبي يوجد في مدخل الحجرة ،سألته الخالة :
لما ذا اتيت في هذه الساعة المبكرة ؟
تعلمين خالتي أنني جئت في طلب شامة ،لقد غضبت مني ،وهجرت بيتنا ،وانا لا احتمل ذلك .
نظرت اليه نظرة المكذب لما يقوله ، وعادت تسأله: وماذا تحسبني فاعلة الآن؟
هل تعتقد أنني سأجبرها على الرجوع إليك ؟
أنت واهم!
منبر العراق الحر منبر العراق الحر