الدعوات ضحية الأهواء ونقص المعرفة والتواصل….د. قيس جرجس

منبر العراق الحر :
منذ اليوم الأول لسقوط النظام السابق لا بل قبله كان المجتمع يتعطّش ويتهيأ لاستعادة الحراك الثقافي السياسي الحر بدون تدخل السلطات الأمنية وتعليب ذلك الحراك وفقا لمصالح السلطة الحاكمة…
وبالفعل بدأت الأقلام تبوح ما في النفوس والعقول من أهواء وأفكار ومخاوف وهواجس بخصوص مستقبل البلاد على كل المستويات…
أقلام سلبية تتصيد في المياه العكرة لما تعاني منه هذه المرحلة الانتقالية من غموض وضبابية وارتجال واستعجال ونقص كبير في الأدوات وفراغ في معظم المؤسسات الراعية والمنظمة لمختلف نشاطات المجتمع والدولة مع غياب شبه كامل للإعلام المواكب لذلك…
وأقلام إيجابية تعمل على التهدئة والمصالحة الوطنية بين مكونات المجتمع وتقدم أفكارا بناءة لمواجهة مختلف المشاكل الكثيرة التي يعاني منها مجتمع شبه منهار اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا من الاستبداد والفساد المزمنين والحرب الطويلة التي أدمت الجميع…
ولقد شهدت ساحة المجتمع حراكا مدنيا أهليا لتأسيس التيارات المدنية والديمقراطية والمنصات واللقاءات الثقافية والحوارية بشكل لم يسبق له مثيل منذ عقود طويلة رغم المعاناة العسيرة في تأمين الأمن وبروز الانتهاكات وأعمال الخطف والسرقة والتجاوزات…
ويسجل لسلطة الأمر الواقع أنها لم تتدخل ولم ترهب ولم تمنع أي لقاء أو حراك أو نشاط في الشارع كاعتصام أو مظاهرة أو تعتقل أحدا على خلفية مقالة أو تصريح أو تعبير ما…
وتبين أن أكثر المناطق التي تعاني أمنيا على خلفية انتقام له صبغة طائفية هي المناطق التي شهدت تماسا دمويا سابقا بين المتجاورين جغرافيا والتي ورّطها النظام السابق بذلك…
وتبين أن القائمين الذين استلموا مقاليد الإدارة والسلطة في المحافظات وجميعهم من لون واحد وليسوا من أبناء المحافظة لا يملكون المعرفة ولا أدوات التواصل والاتصال مع أبناء المتحدات وتياراتها ولا يعلمون شيئا عن سوابقهم السياسية والأخلاقية ولا يملكون تقارير أمنية بسبب غياب المؤسسات المختصة وليس بسبب عيب شخصي في الأشخاص رغم الإيجابية في التعاون والسلوك مع من يقصدهم…
وهذا ما ينعكس بشكل سلبي على العلاقة بينهم وبين قوى المجتمع الفاعلة والنخب المهمة من خلال ما نراه من الدعوات للقاءات والحوارات والتي تتم عبر علاقات شخصية نشأت بالصدفة أو بتزكية من شخص وسيط ولهذا تكون الدعوة على مزاجية الشخص وعلاقاته وهذا ما يمهّد لنشوء سوء فهم وتفاهم ونقص ودقة في المعرفة المطلوبة ونحن أمام مشروع كبير وجليل وهو بناء دولة حديثة…
وهذا ما شهدته في اللقاء مع الرئيس أحمد الشرع في طرطوس حيث كانت قاعة اللقاء ضيقة لا تليق بلقاء كبير كهذا مع رئيس دولة تعمل للنهوض وحيث كان التهافت على الأسئلة المتكررة لا تتعدّى هموم المحافظة والهموم المطلبية المحقة لا شك وكأننا كنا في دولة طرطوس وليس في الدولة السورية…
لذلك ونحن أمام استحقاق وطني كبير اسمه الحوار الوطني لتأسيس دستور وطني جديد للبلاد من المطلوب كي ينجح أن تكون الدعوات منظمة ومبنية على معرفة كاملة بمن لهم مصداقية أخلاقية وسياسية وبمن لهم قدرات ثقافية فكرية وبمن لهم نشاطات وتنادوا لتأسيس تيارات ومنصّات وطنية تفيد هذا الاستحقاق وإلا “يا أبو زيد كأنك ما غزيت” ستعوم طبقة من الأميين والمنافقين والمخبرين والانتهازيين والمطبلين كما كنا نعاني في عهد النظام السابق عهد جمهورية الرعب…
فكما على السلطة المنظمة استدراك هذه الثغرة كذلك على التيارات المدنية والديمقراطية والنوادي الثقافية بالمبادرة والتعريف بأنفسهم لتلك السلطة وليس انتظار الدعوات بسبب عدم قدرة المعنيين على التواصل…
==

اترك رد