هل كان حلما؟ فلاح المشعل

منبر العراق الحر :
‏ “يمه نام وعسى النومة هنية. نوم الغزيل بالثنية” وتغفو في أرجوحة الأم بين رجليها، وصوت يشارف على البكاء، تحلم بالغزال النائم وكيف يخترق سهم الصياد خاصرته النحيفة فتقفز مذعورا، ويبدأ عقدك التاريخي مع الخوف والكوابيس التي لا تستطيع تذكر حدوثها أحيانا، إذا كان في الليل أم النهار، وسط تشابك الوحش البشري المستشري في عالمك الذي جئته في لحظة من مليارات الأخطاء التي ترتكب انسانويا في كل وقت بشكل متعمد.
‏ تمضي بك السنين، تستمع لأجمل الألحان والأغاني سمفونيات أنبياء الموسيقى، معزوفات الريح والمطر، وأصوات البحر وغناء الطبيعة وإنشاد الطيور، ولا صوت أعذب من صوت أمك وكأنه من ألحان هبطت من السماء، تختض روحك كلما تعيده ذاكرتك السمعية لتغسل روحك بذلك الحليب البعيد.
‏ نظام العاطفة أصابه العطب، وتراجعت قدرات الإنسان على النمو العاقل والطبيعي، صار مرهونا لضجيج وصراخ يمحو ما تبقى من أنغام الأم وتراتيل الأب وحكايات الطفولة، وتلك الضحكات الطافحة بالسرور والسعادة، أصوات إخوانك حين يغنون بنشاز يجمعهم مع الضحك والمرح.
انطوى كل ذلك، غاب في تعرجات السنين.
‏ما زال الصراخ يملأ أذنيك وروحك وضجيج كأنه الصدأ يغلف كل شيء وسط الصمت الذي لا تقطعه سوى أقدام الحراس على الأرض الإسمنتية في ممرات سجن الشعبة الخامسة.
‏مواسم الضجيج تتكرر على بلادنا بعد كل هدوء وربيع جاف. تعقبه حربا تشتهيها أبالسة الأرض العراقية.
‏وما كنت تدري أنك ستبلغ الضجيج العظيم، وتسقط أبواب الشعبة الخامسة! تقف على عتباتها باكيا على انكسار كبرياء السجون الخادع والحكومة الجبانة والزعماء الفارين.
‏كنت وسط الانفجار كيف نجوت؟
‏كانت فيروز معنا حين خرجنا من الكرادة وصديقي السائق السينمائي، وهو يصحبني كل يوم يحدثني عن مشاريعه في السينما، ثم يدعوني إلى تسلق تلك الربوة الساحرة، ومنها تهبط بسلالم الرحابنة نحو فيروز الزمن والشواطئ المهجورة.
‏ماذا كنت تسمع؟
‏ صوت أمي وأنا مستلق على رجليها تهدهدني. يمه نام وعسى النومة هنية، نعم أمي أنام لقد أتعبني الحزن كثيرا.

اترك رد