منبر العراق الحر :رجعت بغداد اليوم كما كانت بالأمس , حيث فتح البعثيون ابوابها امام الغرباء والدخلاء وشذاذ الافاق … ؛ فها هي ملامحها الاجتماعية تتبدل بصمتٍ مريب، ومشاهدها اليومية تكتظ بوجوه لا تمتّ إلى أهلها بصلة… ؛ ففي شوارع الكرادة والمنصور وغيرهما من احياء بغداد ، بات المشهد لافتًا : عمّال أجانب يملؤون الأزقة والمحال والمقاهي، حتى ليخيّل للمارّ أن الحيّ تحوّل إلى سوق عابر للجنسيات.
وفي تقرير محلي حديث اطّلعت عليه، يشير إلى دخول نحو خمسة آلاف عامل مصري إلى منطقة الكرادة فقط، خلال فترة وجيزة … ؛ اذ يقيم معظمهم بصورة غير قانونية… ؛ وإلى جانبهم الاف العمال من سوريا وبنغلادش وباكستان … ؛ يتوزعون في مهن مختلفة، من التنظيف إلى البناء إلى الخدمات والمطاعم… ؛ ممن وجدوا في بغداد مقصداً سهلاً، في وقتٍ تشتد فيه الحاجة إلى فرص العمل لأبنائها…!!
وهذه الظاهرة تتسع بلا ضوابط، وتطرح أسئلة مشروعة حول من يقف وراءها، ومن المستفيد منها، وما انعكاساتها على المجتمع العراقي واقتصاده وأمنه … ؟!
الأمر لا يتوقف عند حدود العمل أو المنافسة الاقتصادية، بل يتجاوزها إلى الجانب الأمني والاجتماعي… ؛ فوجود هذا العدد الكبير من المقيمين غير النظاميين يفتح الباب واسعًا أمام الاختراقات الأمنية، واستغلال هذه الفئات في أنشطة مشبوهة أو شبكات تهريب أو تجسس أو جريمة منظمة… ؛ إنها صورة واقعية لما يمكن تسميته بـ “حصان طروادة” الجديد، الذي يدخل المدن من بوابات العمل والاحتياج وغيرهما ، لكنه قد يخفي في جوفه تهديدًا أكبر.
إن ما يجري في بغداد اليوم لا ينبغي التعامل معه بخفة أو لامبالاة، فالعواصم لا تُحتلّ بالمدافع وحدها، بل أحيانًا تُخترق بالهويات المؤقتة والوجوه الغريبة التي تتسلل تحت غطاء الحاجة والسياحة والعمالة … ؛ المطلوب تحرك رسمي عاجل لتنظيم العمالة الأجنبية، وضبط الإقامات، وحماية فرص العمل لأبناء البلد، قبل أن نجد أنفسنا غرباء في مدينتنا.
فـ بغداد التي احتضنت الاجانب والغرباء والاعداء عبر التاريخ، لا تحتمل اليوم أن تُختزل إلى ساحة عبورٍ مفتوحة بلا حراسة , او ان تتحول الى مكان اقامة دائمة لمن لا ينتمون للعراق والهوية الوطنية العريقة .
بغداد العاصمة ؛ تُستباح اليوم بهدوء، لا بصوت المدافع، بل بخطوات عمّالٍ غرباء تسللوا إلى أحيائها بلا ضوابط ولا رقابة… ؛ مشهد يكشف عن فوضى إدارية وأمنية تتسع يومًا بعد يوم، في مدينة أنهكتها الحروب والفساد واللامبالاة.
إن ما يحدث ليس مجرد تزايد في الأيدي العاملة، بل ظاهرة خطيرة تمسّ الأمن الوطني مباشرة… ؛ فحين تتحول شوارع بغداد إلى تجمعات بشرية مجهولة الهوية والانتماء، ويعمل الآلاف دون تسجيل أو رقابة، فإن الباب يُفتح على مصراعيه أمام الاختراق الأمني والجريمة المنظمة والعمالة المأجورة… ؛ وهذه ليست مبالغة؛ فكل فوضى سكانية غير مضبوطة تسبق عادةً فوضى أمنية قادمة.
السلطات، كعادتها، تلتزم الصمت أو تُلقي باللوم على الآخرين. لا رقابة جدية على منافذ الدخول، ولا خطة لتنظيم العمالة، ولا سياسة واضحة تحمي سوق العمل العراقي الذي يُستنزف كل يوم… ؛ كيف يُعقل أن يُترك آلاف الأجانب في قلب العاصمة، يعملون ويقيمون بلا تراخيص، في حين يُعاني مئات الالاف من الشباب العراقيين من البطالة وانعدام الفرص…؟!
لقد تحوّلت العمالة الأجنبية إلى حصان طروادةٍ عصريّ، يدخل المدن العراقية تحت ذريعة “العمل الرخيص”، فيما الحقيقة أن كثيرين منهم بلا هويات واضحة أو عقود قانونية… ؛ إنهم يدخلون من الأبواب الخلفية، في بلدٍ لم يعد يملك مناعته الإدارية ولا حصانته الأمنية.
إن الخطر ليس في وجودهم وحده، بل في غياب الدولة… ؛ فحين يغيب القانون، يحضر العبث، وحين تضعف الرقابة، يقوى الفساد… ؛ وهكذا تتحول بغداد شيئًا فشيئًا إلى مدينة مفتوحة، بلا سيادة اجتماعية، ولا أمان مهني، ولا انتماء واضح.
آن للحكومة العراقية أن تفيق قبل أن نجد أنفسنا نعيش في عاصمة لم تعد عراقية الملامح.
فـ”حصان طروادة” الذي يتجول اليوم في الكرادة، قد لا يكون من خشب، لكنه بالتأكيد يحمل في جوفه ما هو أخطر من الخشب… الإهمال الرسمي والعمى الوطني.
لا يمكن النظر إلى هذه الأعداد المتدفقة على أنها مجرد ظاهرة اقتصادية عابرة… ؛ إنها، وبلا مبالغة، قنبلة موقوتة تهدد الأمن الوطني… ؛ فالدخول غير المنظم، والإقامة غير القانونية، يشكلان بيئة خصبة للاستغلال من قبل الجهات الإرهابية والمافيات المنظمة، مما يضع استقرار البلاد على حافة الهاوية.
إنها ليست دعوة للانغلاق أو لبذر الكراهية ، فالعمالة الوافدة يمكن أن تكون عاملاً مساعداً في ظل نظامٍ صارمٍ وواضح… ؛ لكن الكارثة تكمن في فوضى الدخول، وغياب الرقابة، وانهيار آليات ضبط الحدود… ؛ إنه “حصان طروادة” العصر الحديث، حيث يدخل من بوابات الفوضى والإهمال ما لا يمكن السيطرة عليه.
السؤال الذي يفرض نفسه: إلى متى ستظل بغداد، قلب العراق النابض، باباً مفتوحاً أمام كل من هبَّ ودبَّ، بينما يُحرم أبناؤها من أبسط حقوقهم في العيش الكريم والعمل الآمن في وطنهم؟!
لقد حان الوقت لوضع حدٍ لهذه الظاهرة الخطيرة، عبر إقرار سياسات هجرة واضحة، وتعزيز الرقابة على الحدود، ومحاسبة المتلاعبين بأمن العراق واستقراره… ؛ فالبلاد ليست سوقاً مفتوحة، والمواطن ليس رقماً في معادلة الفوضى.
عرض
منبر العراق الحر منبر العراق الحر