منبر العراق الحر :
يُقال إنّ الانتخابات عيد الديمقراطية، لكنها في بلادنا تحوّلت إلى موسمٍ آخر من مواسم الحصاد: حصاد الكرامة والوعي. فالسارقون لا يحتاجون إلى أصواتنا، بل إلى شرعيةٍ شكليةٍ تُجمّل وجوههم الكالحة أمام العالم، كقناعٍ من ورقٍ يغطّي العفن السياسيّ والولاء المستورد . في كل دورةٍ انتخابيةٍ جديدة، تُعاد المسرحية ذاتها : الممثلون أنفسهم، والنص نفسه، والجمهور ذاته الذي يُجبر على التصفيق خوفًا من الصمت . يسألون الشعب أن يختار، لكنهم قد اختاروا عنه منذ زمن، حين اختطفوا صوته، وربطوا مصيره بخيوطٍ تمتدّ إلى عواصم القرار الكبرى، هناك حيث تُرسم الخرائط على حساب دماء الشعوب ومستقبل أوطانها .
إنهم ينتصرون دائمًا، حتى لو قاطعنا، حتى لو صرخنا، حتى لو رحلنا جميعًا وتركنا التراب وحده. سيُعلنون ( نسبة مشاركةٍ قياسية )، وسيوجّهون لنا الشكر لأننا ( ساهمنا في نجاح العرس الديمقراطي ). فهنا لا حاجة للناخب، لأنّ صناديقهم لا تُفتح بالبطاقات، بل بالمفاتيح التي في جيوب السادة في الخارج .
لقد أصبحت القوى العالمية (المعلَنة والخفية) راعيةً لهذه المسرحية الكبرى، تبارك كلَّ من يحفظ المصالح لا المبادئ، وكلَّ من يُطفئ الوعي لا الفقر. فهم لا يريدون شعوبًا تنهض، بل جماهير تُصفّق، وأسواقًا تُفتح، وحكوماتٍ تُطيع .
أما نحن، جماهير الأرض المسروقة، فنقف بين الغضب والعجز، نحلم بوطنٍ لا يُشبه دائرة انتخابية، ولا يُباع فيه الصوت بثمنٍ بخسٍ من الوعود . وطنٍ تُكتب فيه النتائج بإرادةٍ لا بصفقة، وبدمٍ لا بحبرٍ زائفٍ على ورقة اقتراعٍ ملوّثة .
ومع ذلك، سيأتي يومٌ تتكسّر فيه صناديق التزوير، وتنكشف الوجوه التي لبست الأقنعة طويلًا. فحتى وإن انتصروا في كل انتخاباتٍ مزوّرة، فلن ينتصروا أمام التاريخ، لأنّ التاريخ لا ينتخب الكاذبين، بل يلعنهم .
منبر العراق الحر منبر العراق الحر