رسالة إلى المبعوث الأمريكي مارك سافايا…د. رافد حميد القاضي

منبر العراق الحر :

السيد مارك سافايا..
حين تتأمل العراق بصدقٍ وعمق، ستجد وجعًا لا يشبه سواه، وصرخةً مكتومة لملايينٍ من أبناء هذا الوطن الذين أنهكهم الانتظار، وتعبوا من وعودٍ تُقال ولا تُنفّذ ومن شعاراتٍ تُرفع ثم تُنسى بعد حين
وانك ستجد شعبًا طحنته الصراعات على السلطة وسحقته التدخلات الخارجية وشتته الفساد الداخلي، حتى صار غريبًا في وطنٍ كان يومًا مهد الحضارات وموطن الأنبياء والاولياء والملوك والعلماء لكن — ومع كل هذا الألم — يبقى في العراق ضوءٌ لا ينطفئ، وإرادةٌ لا تُكسر وذاكرةٌ لا تنسى من هو الصديق ومن هو المتربص.
يا سعادة المبعوث..
اعلم أن العراق لن يعود عظيمًا بوعود المبعوثين، ولا بخطط القوى الدولية مهما حسنت نواياها، لأن نهضة الأوطان لا تُمنح من الخارج بل تُصنع من الداخل، ومن إرادة أبنائها ووعيهم ووحدتهم.
فالعراق لا يحتاج إلى وصاية جديدة، بل إلى إرادة وطنية حقيقية تُعيد للدولة هيبتها وتقطع يد الفساد، وتزرع الثقة بين المواطن ومؤسساته.
نحن لا نغلق الباب أمام التعاون، ولا نرفض من يمدّ يده بصدقٍ لمساعدتنا، لكننا أيضًا لن نُسلّم مصيرنا لمن كان بالأمس سببًا في معاناتنا فالعراق ليس حقل تجارب لسياساتٍ متقلبة، ولا ميدانًا لتصفية الحسابات بين الدول، بل وطنٌ عريق له كرامة وتاريخ وشعب لا يموت والحقيقة التي يجب أن تقال يا مارك سافايا..
إن كنتَ صادق النية فيما تقول، فابدأ بإيصال الحقيقة إلى من أرسلوك:
أخبرهم أن العراقيين تعبوا من الخطابات الجوفاء، ومن الوعود المكرّرة التي لم تجلب إلا الانقسام والفوضى
أخبرهم أن العراق لن ينهض إلا بسيادته الكاملة، وبقراره الحر، وأن احترام هذا القرار هو الطريق الوحيد لبناء علاقة ندّية عادلة بين بغداد وواشنطن.
قولوا في عواصمكم إن العراقيين لا يكرهون التعاون، لكنهم يكرهون الوصاية وإنهم لا يكرهون أمريكا كشعبٍ أو حضارة بل يرفضون سياساتها التي مزّقت أرضهم وكسرت دولتهم باسم “الحرية والديمقراطية” فالعراق لا يُباع ولا يُشترى.
العراق يا سعادة المبعوث ليس شركة، ولا صفقة، ولا حقلًا يُستثمر ثم يُترك بعد أن يجفّ عطاؤه وهو وطنٌ له نبضٌ وروح، له شعبٌ يعرف معنى الكرامة حتى في الجوع، ومعنى الكبرياء حتى في الانكسار.
وإذا كنتم تقولون إن هدفكم “جعل العراق عظيمًا من جديد”، فاحترموا تاريخه قبل مستقبله، واحترموا دماء أبنائه قبل مصالحكم ودعوا العراقيين يكتبون مستقبلهم بأيديهم لا بإملاءات الخارج.
أما نحن العراقيين، فقد آن الأوان أن نصحو من سباتنا الطويل وأن نعيد الثقة بأنفسنا ونبني وطننا على أسس العدالة والإنصاف، لا على المحاصصة والانقسام
وأن نُدرك أن العظمة لا تأتي بانتظار منقذٍ خارجي، بل من داخلنا، من وعينا، ومن شجاعتنا في مواجهة الفاسدين والجهلة والمأجورين فلننهض بالعقل قبل العتب وبالإرادة قبل الانتظار وبالعمل قبل الكلام لأن العراق لا يحتاج إلى من يُنقذه، بل إلى من يؤمن به حق الإيمان.
ختامًا..
ياسيد مارك سافايا،هذه الرسالة ليست صرخة غضب، بل صوت ضميرٍ حيّ ينبض من قلب العراق،يحملك مسؤولية قول الحقيقة كما هي، لا كما يرغب السياسيون بسماعها.
فإن كنتم صادقين في نواياكم، فابدؤوا باحترام الإنسان العراقي قبل الحديث عن “إصلاحه” وإن أردتم أن تجعلوا العراق عظيمًا من جديد، فساعدوا أبناءه على أن يؤمنوا بأنفسهم أولًا والسلام على العراق يوم وُلد من رحم الحضارة،ويوم نزف من جراح الخيانة،ويوم يُبعث من رماده من جديد.

د.رافد حميد فرج القاضي

اترك رد