صحوة ميت …. مهند سري

منبرالعراق الحر :
لطالما سمعت في مجالس العزاء، كلمة تتردد من داخل بيت المتوفى، لنائحة “عدادة”، او لمتبرعة فضلاً لتهييج الأحزان، مفادها ” مريضنا ما يكوم، وميتنا ما يصحا، فتنتابني الدهشة، وأسائل نفسي : هو في ميت يرجع الى الحياة؟
وظل التساؤل يراودني، من دون أن افصح عنه لأحد، حتى كنت حاضراً مرة بصفة مساعد، لتغسيل ميت كنيته ” ابوأحمد”، ولما انجزنا الغسل وبدأت انشف الجثمان، فيما كان المغسل يجلب الأكفان، فتح ” ابو أحمد” عيناه، فظننت اول وهلة، انها من زغللة عيني، حتى إذا مارأيته يكرر فتحها واغلاقها، صحت على صاحبي : الميت فتح عينه!!
ولا أدري كيف طرقت مسامعي “عيطة” تلك المرأة : وميتنا مايصحا، مع أن المغيسل يخلو من النساء، وكأني اتلقى جوابها لسؤالي المكبوت.
المهم استيقظ ” ابو أحمد” من “رقاده”، ولبس ملابسه التي نزعناها عنه، واستقبل من مشيعيه بالتهليل والتكبير، وتحول العويل الى ضحكات هستيرية.
الموقف لم يكن يسيراً، ووسط حال من الإضطراب الذهني الذي انتابتني، أخذت اتحدث من داخلي بصوت مسموع : معقولة، إن كان خطأ كما يتحدث عنه بعضهم ، فمن وراءه : الملك الموكل بقبض الأرواح، او الطبيب الذي حرر شهادة الوفاة؟
رأي الطب
كان لابد من أن أستمع لطبيب في هذه المسألة، فطلبت موعداً من الدكتور صفاء حسين الهاشمي، خارج موعد العيادة، لأستأنس برأيه.
سألته بلا مقدمات : تخطأون في تشخيص مرض نعذركم عليه، لكن كيف تخطأون في تحديد حالة وفاة؟
أجاب بسؤال : هل تعني ميتاً عاد الى الحياة في أثناء الدفن؟
* مثلاً!
– هذا موضوع أكل عليه الدهر وشرب، لكن دعني ابين لك أن الخطأ وارد، لكنه نسبي جداً.
* كيف؟
– لابد أن نؤصل للموضوع بطريقة علمية، وليس بحثاً عن “طشة”إعلامية.
* هذا ما أريده.
– إذن اتفقنا على الأصل، وهو في ظاهرة الموت، وفي الموت على حقيقته!
* موت ظاهري، وموت حقيقي؟
– نعم! الموت الظاهري يعني النبض يتوقف، ردود الأفعال تتجمد، لاشهيق لازفير، بإختصار لاتنفس، والجسم يبرد، وكل هذه مؤشرات للموت، غير أن الطبيب المتمرس لايقطع بها، فتراه يجري صدمة كهربائية للقلب، ويحاول تحريك الرئة بالتنفس الإصطناعي، وإعادة النبض بضغطات متكررة على الصدر، واعادة الدورة الدموية، حتى يستنفد كل الوسائل الطبية المتاحة عنده، ليقرر مصير الحالة التي يشرف عليها.
* تقصد حالة اليقين بين الموت واللاموت؟
– كل العوارض بإستثناء السكتة الدماغية، قابلة للإستجابة، وبالتالي لانجزم بالموت الا بعد موت الدماغ، وتوقف ايعازاته للجسم.
* أنت تعلق موضوع عودة ميت الى الحياة أنه لم يمت أصلاً، بل في الظاهر؟
– لم يمت حتى ظاهرياً، وانما العلامات توحي بالموت.
* طيب،وماذا عن المرآئي التي تحدث عنها بعد ظاهرة الموت؟
– مثل ماذا؟
* يعني رؤية بستان او حديقة غناء كناية عن الجنة، اورؤية الموتى من أهله، ونحو ذلك؟
– هذه المشاهدات دليل على عدم الموت، لأننا لم نقف على ميت حقيقي ليحدثنا عما رأى، أما هنا فهو في حالة نوم، ويحلم بما يريد، أولعله نوع من التفاعلات الكيميائية الحيوية داخل الدماغ، والتصورات الحسية التي تُولد هذه “الرؤى” في وقت يوجد فيه الجسد تحت توتر استثنائي يستشعر فيه خطر الموت الداهم .
موقف الشرع
بعد أن إستعمنا الى النفي الطبي لمعنى الموت للعائد الى الحياة، كان لابد أن نرى موقف الشرع من هذا الموضوع.
التقينا بالشيخ الدكتور طه الزيدي، وسألناه :
*هل يخطيء ملائكة قبض الأرواح؟
– الملائكة معصومون، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، فهم لا يخطئون، وما يذكر من خطأ ملك الموت في قبض روح شخص معين وقبضه روح آخر -مثلا- فلا أساس له من الصحة، ولا نعلم في ذلك نصاً من الوحي أو أثراً عن السلف.
* بماذا تفسر إذاً عودة بعض الموتى؟
– الحكاوي التي يتناقلها الناس، إنما لأناس لم يموتوا حقيقة، وانما توقف نفسه مؤقتاً، ثم عاد، وهذا ليس موتاً، لأن الله حكم بعدم العودة لمن مات الى الدنيا، كما جاء في محكم التنزيل : إنهم إليها لا يرجعون.
* لكن في القرآن الكريم موتى اعادهم الله؟
– هذه وردت لإثبات قدرة الله على البعث، وتدخل من باب المعجزة التي لا يقاس عليها ، ولا يشبه بها أمر الناس ، وحال البشر، وليست مما يخضع للقياس والتجربة، والله أعلم .

 

اترك رد