سيناريوات إسرائيليّة لمصير السّنوار… الأسر أو القتل أو المنفى أو الانتحار

منبر العراق الحر :

يشغل قائد “حماس” في قطاع غزة يحيى السنوار الأجهزة الأمنية الإسرائيلية التي تروّج أخباراً ومعلومات تتعلق بانقطاع الاتصال به، وبالتالي فقدان التواصل بينه وبين قيادة حركة “حماس” في الخارج والوسيطين المصري والقطري، وتزعم أن السنوار وزميله محمد الضيف يختبئان في أنفاق خان يونس ورفح في جنوب قطاع غزة.
تختلف أهداف الحرب النفسية والدعائية التي تشنها الأجهزة الأمنية ووسائل الإعلام الإسرائيلية، والتي لعبت دوراً كبيراً خلال الحرب الأخيرة، لكن الخبراء والمحلليين العسكريين الإسرائيليين يؤكدون أنهم غير قادرين على فهم استراتيجية السنوار وعاجزون عن قراءة سلوكه والتنبؤ بقراراته، وأنه دائماً متقدم بخطوة.
ويتحدث المسؤولون الأمنيون في إسرائيل عن خمسة سيناريوات محتملة إذا ما تمكنت القوات الإسرائيلية من حصار السنوار.
المنفى الحل السحري
وبحسب تقارير إعلامية، فإن إسرائيل أخبرت المفاوضين الأميركيين خلال محادثات باريس أن لديها قائمة بستة من قادة “حماس”، بينهم السنوار ومحمد الضيف تريد خروجهم من قطاع غزة، لكن وفقاً لـشبكة “إن بي سي” لم تصل الخطة إلى “حماس”، لأن الحركة قالت بالفعل إنها لن تؤيد خيار المنفى.
وبحسب مسؤول أمني إسرائيلي “فكرة المنفى هي الحل السحري الذي يريده الجميع، لكن بكل تأكيد لا سبيل لموافقة حماس على ذلك”.
وبينما تثير الفكرة الإسرائيلية تساؤلات حول الدوافع وراءها، قال مسؤول إسرائيلي لم يذكر اسمه إن فكرة المنفى طرحت لتمهيد الطريق أمام هيئة حكم جديدة في غزة “غير متطرفة”، وإن المنفى كان مجرد مقترح من بين مجموعة مقترحات طرحها الإسرائيليون على الولايات المتحدة والتي تضمن استبدال قادة مدنيين يتم اختيارهم بعناية بـ”حماس”.
وكانت هيئة البث الإسرائيلية “كان” قد كشفت الشهر الماضي عن خطة أعدها الجيش الإسرائيلي لما بعد الحرب في غزة، وتتضمن تقسيم القطاع إلى مناطق تحكمها العشائر.
لكن السؤال الصعب الآن هو أين هو السنوار؟ بعد أربعة أشهر على هجوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، تمكن السنوار الذي يوصف بأنه “بعيد المنال” من التقدم بخطوة على أجهزة الجيش والاستخبارات الإسرائيلية.
وبحسب تقديرات القادة العسكريين ومسؤولي الأمن السابقين والحاليين والخبراء الإسرائيليين “أن السنوار على الأرجح ظل يتنقل ويغير مواقعه لتجنب رصده”.
وقال مستشار الأمن القومي السابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي جاكوب ناجل: “سيبقي السنوار بعض المحتجزين إلى الأبد لأن هذه ستكون بوليصة التأمين الخاصة به بأن أحداً لن يقتله”.
وفي تقرير نشرته صحيفة “لوموند” الفرنسية في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، لفتت إلى “أن السنوار تفاوض على كل نقطة من اتفاق الهدنة، من إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين إلى إطلاق الأسرى الفلسطينيين وحدد الوتيرة، ولمح إلى استعداده للتراجع إذا شعر بانتهاك إسرائيل الشروط التي جرى التفاوض عليها”. وأوضحت الصحيفة أن السنوار أثبت خطأ كل أولئك الموجودين في إسرائيل الذين اعتبروه ميتاً، مشيرة إلى أنه ليس فقط على قيد الحياة منذ بدء الحرب، بل أيضاً “يحصد انتصاراً سياسياً آخر”.
“السنوار يفهم الإسرائيليين جيداً جداً، كما أن قادة “حماس” فهموا الانقسامات في إسرائيل، وبالتالي نقاط ضعفها”، كتبت “لوموند”، وأضافت أن السنوار كان مسجوناً في إسرائيل لمدة 22 عاماً قبل أن يطلق سراحه بموجب صفقة شاليط، لذلك فهو يفهم الأهمية الرمزية والاستراتيجية لمثل هذا الاتفاق أفضل من أي شخص، وأنه شخصياً دليل إلى أن هذا الشكل من “المساومة” – على حد تعبيرها – يمكن أن ينجح.
من هو يحيى السنوار؟
وُلد الرجل ذو الشعر الأبيض والحاجبين الأسودين عام 1962 في مخيم خان يونس، وتعود جذوره الأصلية إلى مجدل عسقلان التي احتلت إبان نكبة عام 1948، ولجأ أهله إلى قطاع غزة وتحديداً إلى مخيم خان يونس. تنقل في مدارس مخيم خان يونس حتى أنهى دراسته الثانوية في مدرسة “خان يونس الثانوية للبنين”، ثم التحق بالجامعة الإسلامية في غزة، فحصل على درجة البكالوريوس في اللغة العربية، حيث نشط وعمل في مجلس الطلبة خمس سنوات، فكان أميناً للجنة الفنية، واللجنة الرياضية، ونائباً للرئيس، ثم رئيساً للمجلس ثم نائباً للرئيس مرة أخرى.
 تزوج متأخراً بسبب أنشطته العسكرية واعتقاله فترة طويلة، وبعد إطلاق سراحه عام 2011 عقد قرانه على سمر محمد أبو زمر صالحة من مدينة غزة.
خلال سنوات أسره كان السنوار متابعاً للمجتمع الإسرائيلي، بعدما تعلم اللغة العبرية وأتقنها وتحدثها بطلاقة، فواظب على متابعة الكثير من الصحف ووسائل الإعلام، حتى أنه “كان مدمناً على متابعة القنوات الإسرائيلية”، واطلع على الكثير من الدراسات المكتوبة بالعبرية، وأمضى ساعات في التحدث مع سجانيه، ما انعكس كثيراً على أسلوبه وتعاطيه مع المجتمع الإسرائيلي.
وأصبح السنوار أحد كبار مسؤولي “حماس” المسجونين، وهو أحد مؤسسي الجهاز الأمني للحركة الذي سُمِّيَ “جهاز الأمن والدعوة” (مجد) عام 1985، وهو الجهاز المخول ملاحقة الجواسيس والمتعاونين مع أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية.
رحلة البحث الطويلة عن السنوار فوق الأرض وتحتها 
تعتقد إسرائيل أن السنوار هو العقل المدبر لهجوم السابع من تشرين الأول، وربما بات مكان اختبائه معروفاً لدى إسرائيل، لكنها لا تسعى لاستهدافه خشية تعرض المحتجزين للأذى، لذلك تضعه هدفاً استراتيجياً لعملياتها العسكرية والاستخبارية بالنظر إلى وزنه ونفوذه الكبيرين داخل القطاع، إضافة إلى شقيقه القيادي في كتائب القسام محمد السنوار.
وبحسب صحيفة “إسرائيل اليوم”، فإن الجيش الإسرائيلي “ربما يعرف موقع السنوار لكنه تجنب حتى الآن استهدافه لأنه أحاط نفسه بالعديد من الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين ويستخدمهم دروعاً بشرية”.
التقارير الإسرائيلية تظهر أن لدى المستويين العسكري والسياسي فكرة جيدة عن المكان الذي يختبئ فيه السنوار، بخاصة أن الرهينة الإسرائيلية يوشيفد ليفشيتز (85 عاماً) التي أطلق سراحها روت أنها قابلت السنوار خلال فترة احتجازها: كان السنوار معنا بعد ثلاثة أو أربعة أيام من وصولنا إلى غزة زارنا وقال “مرحباً، أنا يحيى السنوار. أنتم محميون هنا. لن يحدث لكم شيء”.                                                                                                                                                                                                                            منذ أسابيع يحاول الجنود الإسرائيليون العثور على السنوار، بينما يقول الجيش الإسرائيلي إنه يقترب منه، لكن المطلوب الأول والملقب بـ”الرجل الحي الميت”، قائد قوات نخبة القسام السابق، والمدرج في القائمة الأميركية لـ”الإرهابيين الدوليين” منذ 2015، يحيط تحركاته بأقصى درجات السرية ويواصل الاختفاء.
خمسة سيناريوات محتملة 
المحلل العسكري لصحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية رون بن يشاي قال: “من زار النفق في خان يونس الذي اكتشفه جنود الوحدات الخاصة في الجيش الإسرائيلي قبل أكثر من أسبوع، فسيكون لديه انطباع بأن السنوار وغيره من كبار قادة حماس، يهربون مذعورين تحت الأرض، كما تشير الأدلة الموجودة في النفق بوضوح إلى وجود بعض الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين معهم، وأنهم أجبروهم على التنقل من نفق إلى آخر”.
وتابع: “لدى الوحدة الخاصة التي سيطرت على النفق وحققت فيه انطباعاً بأن قادة القسام فوجئوا بالعدد الكبير من الأسرى والمحتجزين، فاضطروا إلى تحويل مكتب كان موجوداً في المجمع تحت الأرض إلى مكتب – غرفة السجن.
واكتشف الجيش الإسرائيلي ثلاثة أماكن أخرى أقام فيها السنوار في منطقة خان يونس والتي اضطر على ما يبدو إلى الهرب منها، ويوماً بعد يوم تظهر العلامات على الأرض التي تشير إلى أن وظائفه كقائد وضابط قتالي تتلاشى، وربما هذا ما قصده وزير الدفاع يوآف غالانت عندما قال إن السنوار في حالة فرار، ينتقل من مخبأ إلى مخبأ وغير قادر على التواصل مع قواته”.
وأشار إلى أن وسائل الإعلام العربية تنقل عن أعضاء قيادة “حماس” في الدوحة أنهم يجدون صعوبة في التواصل مع السنوار وتسوية خلافاتهم معه، وهذا أحد الأسباب لتأخر رد الحركة على اقتراح باريس؟ ومن الصعب معرفة ما إذا كانت صعوبات التواصل معه حيلة تهدف إلى إنهاك الإسرائيليين والوسطاء، أو أنه يواجه بالفعل صعوبة في إجراء اتصالات سرية بسبب ضرورة تغيير أماكن الاختباء بوتيرة متتالية.
الاستخبارات الإسرائيلية لا تولي أهمية كبيرة للخلافات في الرأي بين السنوار وقيادة “حماس” في الخارج، رغم أن إسماعيل هنية أكبر منه، وأعضاء الحركة مثل خالد مشعل وموسى أبو مرزوق وأسامة حمدان وآخرون مؤثرون، لكنهم يقيمون في قطر ولبنان، أما هو فيقيم في قطاع غزة مع محمد الضيف وبقية كبار الجناح العسكري، كما أنه يملك معظم الأسرى والمجتجزين، لذلك فهو الوحيد الذي يستطيع حالياً أن يقرر ما سيحدث في قضيتهم، وسلوكه سيحدد متى وكيف سينتهي القتال في قطاع غزة”.
وأضاف: “تجري هذه الأيام ثلاث عمليات مصيرية في الوقت نفسه: المفاوضات من أجل إطلاق سراح المحتجزين، ومطاردة السنوار ورفاقه التي تجري تحت الأرض، واستعدادات الجيش لاحتمال احتلال رفح. الساعة تدق لكل من هذه العمليات بمعدل مختلف. والتحدي الذي يواجه صناع القرار مزامنتها من خلال صفقة مرحلية، يتم بموجبها إطلاق سراح جميع المحتجزين مقابل ثلاث فترات توقف طويلة في القتال، وفي وقت لاحق سيتم تحييد قيادة حماس من سيطرتها على القطاع من خلال المنفى أو أي ترتيب آخر”.
واعتبر أن التحدي الأكبر الذي يواجه السنوار هو استخدام الأسرى والمحتجزين – الورقة الوحيدة المتبقية في يديه – للسماح لـ”حماس” تحت قيادته بالبقاء في القطاع، أولاً تحت الأرض، ثم بعد سنوات، على السطح، إما ككيان سياسي، كجزء من حكومة مدنية فلسطينية مقرها قطاع غزة، أو كميليشيا مسلحة على غرار “حزب الله” في لبنان.
 وقد بدأت القيادة السياسية لـ”حماس” في الخارج بالفعل بإجراء محادثات مع السلطة الفلسطينية على افتراض أن إسرائيل ستضطر إلى الموافقة على مطلب واشنطن أن تدير السلطة شؤون القطاع في اليوم التالي.
وتطرق بن يشاي إلى السيناريوات الخمسة المقترحة لمصير السنوار بحسب مئير بن شبات مستشار الأمن القومي السابق، وكان قائد المنطقة الجنوبية في جهاز الأمن العام “الشاباك” الإسرائيلي، ويعرف السنوار شخصياً.
السيناريو الأول أن يوافق على اقتراح إسرائيلي أميركي يسمح له بمغادرة القطاع والذهاب إلى المنفى، وسيطالب إسرائيل بعدم اغتياله في الخارج كما فعلت مع منفذي عملية ميونيخ عام 1972، في المقابل سيطلق سراح جميع الأسرى والجثث الذين تحتجزهم “حماس”، وبحسب كل الخبراء الفرصة سانحة لأن يوافق على الذهاب إلى المنفى، كما فعل ياسر عرفات خلال حرب لبنان الأولى. ويعتقد أيضاً أنه لن يفر بمبادرة منه لأن ذلك سيكون إذلالاً وخيانة للروح التي يلتزم بها وأنه يفضل الموت شهيداً.
السيناريو الثاني هو أن يسلم السنوار نفسه، ويطلق سراح الأسرى والمحتجزين، مقابل الإفراج بالجملة عن الأسرى الفلسطينيين، بضمانات أن لا يتم اغتياله في السجن، وهذا سيترك له فرصة للعودة إلى السياسة والقيادة، على غرار مروان البرغوثي الأسير المحكوم بمؤبدات عدة منذ ما يزيد عن 21 عاماً، بخاصة أن الشارع الفلسطيني يرى في البرغوثي خليفة لأبي مازن في قيادة “فتح” والسلطة، وبحسب الاستخبارات الإسرائيلية لن يكون هناك ما يمنع من إطلاق سراحه في صفقة لتبادل الأسرى يوماً ما، ليعود لقيادة الحركة سياسياً لكنه حل لن تقبل به “حماس”.
السيناريو الثالث هو أن يقوم السنوار بقتل نفسه مثل هتلر في القبو حتى لا يقع حياً في أيدي الجيش الإسرائيلي، وفي مثل هذه الحالة تكون حياة المحتجزين الذين سيكونون معه في خطر، لكن من الممكن أن الحراس الذين معه سيفضلون إنقاذ حياتهم وعدم إيذائهم، في الجيش الإسرائيلي يرفضون تقدير احتمال حدوث مثل هذا السيناريو.
السيناريو الرابع هو أن يقوم الجيش الإسرائيلي باغتيال السنوار أو إلقاء القبض عليه قبل أن يكون لديه الوقت لإصدار أمر بإيذاء الأسرى، واحتمال تنفيذ مثل هذه العملية ونجاحها ليس كبيراً لكنه موجود، لكن رئيس هيئة الأركان ووزير الدفاع ومجلس الوزراء الحربي لن يوافقوا على مثل هذه العملية إذا لم يكونوا مقتنعين بأن لديها فرصة نجاح تقارب 100 في المئة.
السيناريو الخامس والأخير من المحتمل أن يواجه عناصر وحدة خاصة السنوار ورجاله تحت الأرض وسيقتلونهم، لكن المحتجزين سيصابون أيضاً، ويعتقد قادة الجيش أن السنوار والضيف يختبئان الآن في أنفاق عميقة أسفل مدينتي خان يونس ورفح جنوب قطاع غزة، وأن القوات تقترب من القياديين الأبرز في “حماس”.
المصدر: النهار العربي
فلسطين- مرال قطينة

اترك رد