منبر العراق الحر :
قُمْ يا أَنَا..
ما زلتَ نائمًا..
تأبى أن تواجه العالم،
أراك مستسلمًا، مكبلًا -بأمس-
قم يا أنا، لقد عدتُ،
استيقظتُ تمام السادسة،
خلعتُ أحزاني، وارتديتُ ملابسي،
جررتُ ساقي التي تأبى المغادرة،
وخرجتُ مسرعًا لألحقَ بحافلة النقل العام،
فسقط الثقل الذي كان عالقًا بروحي،
بابتسامةٍ مصطنعةصافحتُ الجالسين،
وبادلوني بمثلها، رَتبة،
وحين وصلتُ العمل،
قابلني يومٌ شبيهٌ بأمس،
كما لو أن الزمن قد توقّف ليعيد نفسه،
يتنقل بين أطياف الذاكرة،
وفاجأني الساعي بمطالبته بالحساب المتأخر،
تذكرتُ أن اليوم، يوم الاحتفال،
أسرعتُ للصراف، استلمتُ راتبي كاملًا،
منقوصًا الجزء الذي طُولبتُ به،
نظرتُ لما تبقّى، أعدتُ عدَّه،
ووضعته أمامي، أتأمله قليلًا،
قبل أن لا أراه،
لا أنكر أن هذا الراتب يدخل سعادة،
لكنها سعادة خافتة..!
تشبه ضوءًا ضائعًا في العتمة،
كان يوم عملٍ شاق،
لم أنجُ من المدير،
كلفني بمهام بعد انتهاء موعد العمل،
يُلقي عليّ ظلَّه الثقيل
حتى بعد أن يغيب وجهه،
يغرس في ظهري أوراق مهام لا تنتهي،
ثم ينصرف مبتسمًا..!
عند مدخل العقار، تذكرتُ القسط المستحق،
ومحصّل الكهرباء
فاجأني، وجدته في انتظاري،
جالسًا يعدّ أوراقًا تخطف أرزاق العباد،
استقطاع جزء آخر، لكنني ما زلتُ أتنفس،
لكن التنفس أصبح عبئًا آخر،
كأنّ الهواء نفسه يشكو لي،
لكني لا ألتفت إليه، وأدّعي عدم الاكتراث،
عند المصعد، قابلني حارس العقار،
طالبًا المبلغ المتفق عليه لصيانة المصعد،
ومع أنني لم أتفق على شيء،
أعطيته ما أراد. وأسرعتُ إليك وأغلقتُ الباب،
لم يتبقَّ معي شيء..!
قم يا أنا! لقد عدتُ،
هل ما زلتَ مثقلاً؟ لا ترغب في الحديث؟
تفضل العزلة؟ ولا تأبه بهذا العالم؟
ما رأيك لو استمعنا للموسيقى معًا،
وضحكنا كثيرًا حدَّ البكاء؟
هل تعود لي ونستيقظ بشغفٍ للحياة غدًا؟
أم ستظل مكبلًا؟
لا أريد أن تضحك، سأحكي لك قصة،
وعدني ألا تضحك، اتفقنا؟
سأحكي الآن، انتظر، احكم عبوسك قليلًا..
فلنبدأ..
في يومٍ من الأيام،
قرّر الفيل أن يصبح نجمًا في عالم الموضة،
ارتدى بدلة زرقاء نازفة،
وحمل حقيبة يد مصنوعة من اللحم المجمد،
وذهب إلى عرض أزياء في المدينة،
وصل في الوقت المناسب،
لكنه اكتشف أن الحضور جميعهم،
كانوا في قمة الجدية،
باستثناء الجمل الذي قرر ارتداء قبعة
على شكل فطيرة،
فكر الفيل في نفسه:
“هل كنتُ مجنونًا عندما قررت أن أكون هنا؟
أنا الفيل الذي يلتصق بوجهه،
يفر إلى عالمٍ مليء بالألوان.”
لكنه لم يسمح لهذه الأفكار أن تتسلل،
وابتسم ابتسامة صفراء،
ثم التفت ليجد دجاجة مغنية راب على المسرح،
تغني عن الحب والكوارث الطبيعية في نفس الوقت،
قرّر الفيل أن يترك العرض ويذهب إلى المقهى،
وعندما وصل، اكتشف أن المقهى قد تحوّل
إلى قاعة رياضية، وبدلًا من القهوة،
كانوا يوزعون دراجات هوائية،
“هل أستطيع أن أكون جادًا ولو لمرة واحدة في حياتي؟”
تساءل الفيل وهو يقود الدراجة بأقصى سرعة،
ليتحطم على جدار مصنوع من البطاطا المقلية،
وخرج من المقهى وهو يضحك بقهقهة عالية،
“أحيانًا، الحياة تحاول أن تخدعني،
لكنني أكثر ذكاءً منها. ”
ثم مرّ بجانب أشجار تضحك أيضًا،
“من أين أتوا هؤلاء؟ هل الأشجار لديها حس الفكاهة؟”
ثم وصل الفيل إلى منزله،
وقرّر أن يخلع حقيبته المجمدة ويضعها في الثلاجة،
لكنه اكتشف أن الثلاجة كانت في نزهة مع الميكروويف،
“والآن أنا أعيش في عرض لا نهاية له!” قال وهو يضحك،
وقبل أن يذهب للنوم، نظر إلى نفسه في المرآة وقال:
“أتعلم؟ ربما هذا هو الجواب،
الحياة ليست دائمًا منطقية،
أحيانًا يجب علينا أن نضحك على الفوضى،
لأننا لو انتظرنا أن نجد ترتيبًا في كل شيء،
لن نعيش أبدًا.”
والتحمنا، أنا وأنا، في ضحكةٍ
كمن وجد نفسه صدفةً في آخر النفق،
ضحكتُ حتى كادت الدموع تُغرقني،
انطلقت ضحكتي كنبعٍ جفّ عمرًا ثم انفجر،
تتهدّج في وجهي كقوس قزحٍ اشتعل من بين الغيم،
تتهرول كفرحٍ أعمى في زقاقٍ ضيّق،
لا يبالي بشيء سوى أن يضحك،
ضحكتُ حتى تخلخلت أنفاسي،
حتى ارتجّ صدري كما لو كنت أزفُّ
زلزالًا صغيرًا إلى العالم،
ضحكتُ حتى خفت أن يُغشى
على قلبي من شدّة الحياة..!
نجلاء محجوب