منبر العراق الحر :
يواجه الإسرائيليون انتقادات دولية واسعة للعنف المفرط في عمليات الجيش الإسرائيلي في غزة بحملة تحاول أن تقنع العالم بأن الجيش الإسرائيلي هو “الأكثر إنسانية”.
وفي هذا السياق، نشر موقع “تايمز أوف إسرائيل” موضوعا للمدون دارين هولاندر، بعنوان “جيش الدفاع الإسرائيلي: القوة العسكرية الأكثر إنسانية في العالم”، ذكر فيه أن الجيش الإسرائيلي “كثيرا ما يتعرض لمتابعة وانتقاد مكثفين، لا سيما فيما يتعلق بمعاملته للضحايا في أوساط المدنيين في أوقات النزاع”.
الكاتب يشدد فور ذلك على ضرورة الاعتراف “بالجهود الدؤوبة التي يبذلها جيش الدفاع الإسرائيلي لحماية أرواح المدنيين عند مواجهة تحديات أمنية معقدة. الجيش الإسرائيلي هو القوة العسكرية الأكثر إنسانية في العالم، بتمسكه بالالتزام بالقانون الدولي، واستخدام التقنيات المتقدمة، والتدابير الاستباقية التي تهدف إلى تقليل الخسائر في صفوف المدنيين”.
وفي معرض امتداحه للجيش الإسرائيلي واستعراض “فضائله”، يقول إن هذا الجيش “يعطي الأولوية للتعاون مع السكان المدنيين، معترفا بهم كشركاء أساسيين في الحفاظ على حياة الإنسان. يشارك الجيش بنشاط مع المجتمعات المحلية، ويوزع منشورات إعلامية، أو يجري مكالمات هاتفية، أو يبعث برسائل نصية قبل إجراء العمليات العسكرية. تهدف هذه الجهود إلى إخطار المدنيين بالأعمال الوشيكة، ما يسمح لهم بالإخلاء أو العثور على مأوى. كما يحتفظ جيش الدفاع الإسرائيلي بقنوات للشكاوى أو الأسئلة المدنية، ما يوفر سبيلا لمعالجة المخاوف وضمان المساءلة”.
هذا المدون يوصل إلى أسماع الجميع بثقة، أن الجيش الإسرائيلي “يقوم بمهام إنسانية منتظمة، حتى في خضم النزاع، لتقديم المساعدة الطبية والغذاء والإمدادات للسكان المدنيين، بما في ذلك أولئك الذين وقعوا على جانبي النزاع”.
وفي منصة ” الوقوف معا” التي تعرف بنفسها قائلة إنها “منظمة غير ربحية بدأت بإرسال البيتزا إلى الجنود الذين يحرسون نقاط التفتيش”، يحمل جندي إسرائيل شاب على عاتقه مهمة التنويه بأخلاق مؤسسته العسكرية الحميدة.
يدق الجندي الشاب الأجراس في موضوع بعنوان “هذا هو السبب في أن جيش الدفاع الإسرائيلي هو الجيش الأكثر أخلاقية في العالم”، ليوقظ “أولئك الذين يتغذون من وكالات الأنباء الدولية”، ويخاطبهم قائلا: “لا شك في أنكم قد تلقيتم وجهة نظر متحيزة وسلبية للغاية تجاه جيش الدفاع الإسرائيلي. والحقيقة هي، كجندي قديم يبلغ من العمر 23 عامًا وجندي احتياطي نشط حاليًا في جيش الدفاع الإسرائيلي في وحدة نخبة من المظليين في جيش الدفاع الإسرائيلي، أستطيع أن أخبركم بشكل مباشر عن المخاطر التي نضع أنفسنا فيها من أجل الحفاظ على سلامة السكان المدنيين من أعدائنا”.
الجندي الإسرائيلي الشاب الي يعمل في قوات النخبة يقول: “حتى حين نضطر إلى قتل إرهابي، فهذا ليس مشهدا جميلا. وحقيقة أننا نجد أنفسنا في موقف يجب أن نأخذ فيه حياة بشرية هي في حد ذاتها مروعة ولا ترحم”.
علاوة على أن الأعداء “إرهابيين”، فهم أيضا “لم يتخلوا بعد عن الأمل في تدمير بلدنا اليهودي الصغير، ونحن فخورون بالوقوف بقوة والدفاع عن أنفسنا. الأيام التي كنا نعتمد فيها على رحمة الغرباء قد ولت ببساطة. يرتدي جنودنا بفخر زي جيش الدفاع الإسرائيلي وهم يقفون شامخين وهم يحمون شعب إسرائيل مع الحفاظ على أعلى المعايير الأخلاقية”.
يشهد للجيش الإسرائيلي الغرباء أيضا بمن فيهم، العقيد ريتشارد كيمب، القائد السابق للقوات البريطانية في أفغانستان، الذي يكتب قائلا: “هناك رأيان عن الجيش الإسرائيلي، (ما تسمعه في معظم وسائل الإعلام، والحقيقة). سأقول لكم الحقيقة. كنت قائد القوات البريطانية في أفغانستان. لقد قاتلت في مناطق القتال حول العالم بما في ذلك أيرلندا الشمالية والبوسنة ومقدونيا والعراق. كنت حاضرا أيضا طوال الوقت أثناء الصراع في غزة عام 2014. بناء على تجربتي وملاحظاتي فإن جيش الدفاع الإسرائيلي، يفعل ذلك لحماية حقوق المدنيين في منطقة القتال أكثر من أي جيش آخر في التاريخ الحربي”.
منصة عبرية ثالثة اسمها “أرض الميعاد”، تحدثت بلغة مغايرة وانتقلت من كيل المديح إلى أرض الواقع بالأدلة والتواريخ، مشيرة في السياق إلى أن جيف باراك، رئيس تحرير صحيفة جيروزاليم بوست السابق، نشر في عام 2018 ، ردا على تصريح لوزير الدفاع الإسرائيلي حينها أفيغدور ليبرمان بأن جيش الدفاع الإسرائيلي هو “الجيش الأكثر أخلاقية في العالم” دعا فيه المتعاطفين مع جيش الدفاع الإسرائيلي إلى التحقق من هذا الأمر في الواقع.
جيف باراك تساءل: لماذا هو الجيش الأكثر أخلاقية في العالم؟ ألأنه يلجأ تلقائيا إلى استخدام الذخيرة الحية ضد المتظاهرين العزل لقمع مثل هذه الاحتجاجات؟
الصحفي يلفت في معرض إجابته إلى مئات المتظاهرين الفلسطينيين الذين أصيبوا بالذخيرة الحية في ذلك الوقت على مدى أقل من شهر واحد.
هذا الصحفي الإسرائيلي يعلق على ما سلف قائلا: “يجب أن نظهر النضج لفحص أنفسنا بصدق في المرآة”.
وقبل ذلك، ذكر موقع “أرض الميعاد” أن “جيش الدفاع الإسرائيلي يصف في موقعه على الإنترنت مذهبه الرسمي للأخلاق، “روح جيش الدفاع الإسرائيلي” ، بأنه البوصلة الأخلاقية للجيش، ويضيف معلقا بقوله: “في حين أن روح جيش الدفاع الإسرائيلي المعلنة تشير إلى أنه جيش أخلاقي، فإن أفعاله تقدم أدلة متناقضة. وجدت المحكمة الجنائية الدولية أن إسرائيل ترتكب جرائم حرب ضد المدنيين باستخدام قوة جيشها. وذكرت صحيفة هآرتس وغيرها من مصادر الأخبار ذات السمعة الطيبة أن الجيش الإسرائيلي لا يتدخل بل يدمر الأدلة عندما يهاجم المستوطنون الإسرائيليون المدنيين الفلسطينيين”.
هذه المنصة العبرية تقدم مثالين يبرز فيهما “تعرض تصرفات جيش الدفاع الإسرائيلي مع مذهبه الأخلاقي”.
الحادثة الأولى جرت في أبريل عام 2019، حين “رجم الفلسطيني محمد عبد الفتاح البالغ من العمر 23 عاما عدة سيارات مسجلة في إسرائيل. أطلق المستوطن اليهودي يهوشوا شيرمان نيران بندقيته على عبد الفتاح من سيارته. عندما اختبأ عبد الفتاح غير المسلح، اقترب شيرمان وإسرائيلي آخر منه واستمرا في إطلاق النار، فأصابوه أولا ثم قتلوه وهو ملق على الأرض ينزف”.
موقع “موندويس” ذكر أن “جنود جيش الدفاع الإسرائيلي تعاملوا مع جريمة القتل هذه بمداهمة متجرين قريبين ومصادرة كاميراتهما الأمنية وحذف لقطات للجريمة. وفي الوقت نفسه، تحدثت وسائل الإعلام الإسرائيلية زورا عن القتل كدفاع عن النفس ضد هجوم بسكين.”.
الحادثة الثانية جرت وقائعها “في أغسطس من عام 2020، كان طفلا يبلغ من العمر سبع سنوات بعد ظهر يوم الخميس، يسير في القرية مع عائلته عندما اكتشف صندوقا برتقاليا مغطى بالأسلاك. الطفل قال للصحفيين في وقت لاحق (كنت أرغب في التقاطها واللعب بها). أمسك قريبه بالصندوق وهزه لفحصه، وانفجر الصندوق، ما أدى إلى إصابة وجهه ويده.
صحيفة هآرتس أفادت حينها بأن “الطفل الفلسطيني الصغير عثر على واحد من العديد من صناديق المتفجرات والقنابل الصوتية التي زرعها جيش الدفاع الإسرائيلي في أراض مفتوحة ومخبأة تحت الحجارة والملابس وصناديق الأسلحة. ويزعم الجيش الإسرائيلي أنه زرع هذه الصناديق كرادع في المناطق (التي وقعت فيها أعمال شغب عنيفة بانتظام لسنوات).
لكن ماذا يقول تاريخ الصراع الاسرائيلي الفلسطيني؟
هذا من جهة الدعاية الإسرائيلية الواسعة والدائمة والتي تحاول أن ترسم وجها للجيش الإسرائيلي مختلفا تماما عما هو عليه في الواقع، في حين أن في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي منذ بدايته، يوثق الفلسطينيون “المجزرة تلو الأخرى” بحقهم.
تعود الإسرائيليون على استخدام السلاح و”القوة الغاشمة” من دون أي قواعد حتى قبل إعلان الدولة، وقامت منظماتهم المسلحة بتهجير ما يقرب من 600 قرية فلسطينية قبل النكبة.
جرى كل ذلك عمليا في سياق تطهير عرقي بهدف إقامة دولة يهودية صرفة، ولعل ما جرى في قرية دير ياسين في 9 أبريل عام 1948 أوضح مثال على ذلك.
دير ياسين قرية فلسطينية صغيرة تقع غرب القدس، وكان سكانها يزالون الرعي. اتخذ أهالي هذه القرية الفلسطينية المسالمة الحياد، ورفضوا أن يتمركز المسلحين في منطقتهم.
لم يكن سكان القرية محايدين فحسب، بل كانت تربطهم اتفاقية وعهود بعدم الاعتداء مع منظمة “الهاغاناه”.
ومع ذلك، هاجمت قوات اسرائيلية في 9 أبريل عام 1948 دير ياسين تحت جنح الظلام، وأطلقت النار عشوائيا على السكان المدنيين المسالمين، وقتلت ما يقدر بين 100 على 150 منهم.
دير ياسين لم تكن وحيدة في مثل هذا المصير، الأمر ذاته تكرر مع بلدات فلسطينية أخرى مثل “”طنطورة” و”الدوايمة”، وهي قرية فلسطينية تقع غرب مدينة الخليل.
بعد دير “ياسين” جاء الدور على “طنطورة”، القرية الفلسطينية الواقعة بجنوب مدينة حيفا، والتي هاجمها الجيش الإسرائيلي في مايو عام 1948 وقتل في عدة ساعات أكثر من 200 فلسطيني، دفنوا أيضا في قبر جماعي، تقول صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن عددا من الضحايا أحبرعلى حفره.
سجلات منظمة “الهاغاناه” الصهيونية المسلحة، تفيد بأن ماحدق أيضا في “الدوايمة” التي كانت تعتبر “ودية للغاية”، ما يعني أنها لم تستضيف أو تشارك في أي هجمات مسلحة، ولم يشفع لهم كل ذلك.
في 8 أكتوبر عام 1948، اقتحمت الكتيبة 89 التابعة للواء الثامن قرية “الدوايمة” معززة بـ 20 عربة مصفحة، واطلق الجنود الإسرائيليون النار على السكان وقتلوا اعدادا كبيرة منهم أغلبهم من الأطفال والنساء واحتلوا القرية من دون أي مقاومة تذكر، فيما أجبرت النيران العشوائية التي أطلقها الجنود ما تبقى من الأهالي من اللجوء إلى المساجد، وحتى ذلك لم يعصمهم من الموت. فعل الجنود ذلك لإثارة الذعر وتفريغ المنطقة من سكانها تماما.
كل الدلائل كانت تشير إلى أن قرية “الدوايمة” لم تشكل أي تهديد، وأن كل ذنبها أن موقعها يضايق توسع الدولة اليهودية الصرفة في ذلك الوقت، وكان لا بد من تفريغها بجميع الطرق!
الموت الإسرائيلي لم يتوقف ولا يتوقف، ووصل إلى كفر قاسم في 29 أكتوبر عام 1956، وأزهق خلال ساعة واحدة أرواح 49 مدنيا فلسطينيا، والحبل على الجرار!
كل هذا كان قبل 7 أكتوبر.. وقبل قصف مشفى المعمداني، ومخيم جباليا والمشفى الإندونيسي وقبل مقتل نحو 9 آلاف فلسطيني، 40% منهم من الأطفال في استخدام غير مكافئ للقوة ردا على ضربات حماس. حينما تحول القتلى الفلسطينيون إلى مجرد أرقام على صفحات الإعلام الإسرائيلي والغربي.
المصدر: RT