منبر العراق الحر :
انتهى الصراع السّني – السّني إلى انتخاب محمود المشهداني رئيساً لمجلس النواب العراقي، بديلا عن محمد الحلبوسي المقال قبل عام بقرار من المحكمة الاتحادية، انتخاب المشهداني جاء تنفيذا لرغبة الإطار التنسيقي بقيادة نوري المالكي، وبرغم أن المنافسين للمشهداني مثل النائب شعلان الكريم والنائب سالم العيساوي قد حصدوا في جلسات سابقة أصواتاً أعلى بكثير من المشهداني، لكن رغبة الكتلة الشيعية تعارضت مع وجودهم، فأُزِيحُوا عن طريق المشهداني.
الخطأ البنيوي الذي خاض به النواب السنة بعد اشتراكهم بالعملية السياسية، كان انخراطهم في المشروع الطائفي، بكونهم يمثلون الطائفة السّنية، بينما كان المناسب الوطني لهم يتمثل في الابتعاد عن ما هو طائفي والتمسك بالتمثيل الوطني للشعب، وإذا ما عرفنا بأن السّنة بناة دولة وطنية علمانية منذ عام 1921 لغاية عام 2003 احتلال العراق، من هنا تأتي المفارقة التاريخية التي برزت من خلالها المصالح الشخصية والحزبية والشللية، بديلا عن الانتماء والشعور الوطني العراقي العام بعيدا عن التخندق الطائفي.
كانت مبادرة الدكتور إياد علاوي في انتخابات 2010 بتشكيل القائمة الوطنية العراقية، وهي تضم أبرز أسماء قادة الأحزاب السنّية، تمثل خارطة طريق لتقليص مساحات التمثيل الطائفي والشروع بمحور سياسي وطني يشتمل على عراقيين من مختلف المكونات الطائفية والدينية العراقية دون تمايز طائفي، وقد جاءت القائمة بأغلبية الأصوات في مجلس النواب، وكان استحقاق القائمة رئاسة الوزراء ومناصب قيادية أخرى، ثم جاء التفاف المحكمة الاتحادية برئاسة مدحت المحمود بقرار أعطى الأغلبية لقائمة دولة القانون في مخالفة صريحة للدستور العراقي، الأمر الذي دعا النواب السّنة إلى التخلي عن موقف إياد علاوي والذهاب للمالكي زعيم كتلة القانون والطلب منه أن يمنحهم الوظائف الخاصة بحصة السّنة، وهكذا قام النواب السّنة في المشاركة الفاعلة بتفتيت أول مشروع وطني في تجاوز المحاصصة الطائفية.
ابتعد النواب السّنة عن مشروع المواطنة والمواطنية، وركبوا مع الأحزاب الشيعية والكردية سفينة المحاصصة الطائفية والقومية، وكانت تمثيلا حقيقياً لأحزابهم ومصالح قادة الأحزاب، وانغمروا في حصاد المكاسب المالية الهائلة، حتى تحولوا إلى إمبراطوريات مالية، مقابل فساد متغول ومهيمن في جميع دوائر الدولة، وشعب يعاني انعدام الخدمات والمعيشة وجميع جوانب الحياة الأخرى.
مصالح قادة الأحزاب السنية جعلتهم يتفرقون لأحزاب عديدة، وتحولت العملية السياسية عند أغلبهم إلى مشاريع تجارية وصفقات وعقود ومناصب يتصارعون عليها، وكل مجموعة تلتاذ بإحدى الشخصيات السياسية الشيعية النافذة، وهكذا شكلوا مجاميع كان الجمهور السّني يخلع عليهم توصيفات ساخرة، فهؤلاء سّنة إيران، وتلك المجموعة سنّة المالكي، وثالثة تابعة للعامري وهكذا أصبح الواقع لممثلي المدن السّنية مراكز قوة ومناصب وثراء بلا حدود!
مرة أخرى جاء نداء الإنقاذ في دعوة السيد مقتدى الصدر عندما فاز بأغلبية المقاعد البرلمانية في انتخابات 2022، ودعاهم، السّنة والكرد للانخراط في مشروع التحالف الوطني لكسر لمنهج المحاصصة، لكن انقسام السّنة وكذلك الكرد أفشل المشروع، الذي منع من قيامه أيضا قرار المحكمة الاتحادية في قضية “الثلث المعطل “، الذي قيّد العنبية السياسية بشروط التوافق في منهج المحاصصة سيئ الصيت، وبهذا فقد السّنة ثقلهم السياسي والمعنوي في مجلس النواب أو العملية السياسية بنحو عام، وأصبحوا أرقاماً تملأ الفراغات بعد أن أصبحوا ستة أحزاب وكتل أو أكثر يتوزعون حسب مراكز القوة والتابعية ما بين زعماء الشيعة وتركيا وبعض دول الخليج، دون وجود آصرة وطنية أو حتى طائفية قادرة على جمع شتاتهم وتفرقهم في لحظات التعبير عن الطائفة السنية، واقع لا يستطيع السياسي السّني بالتخلي عنه، لأنه قوة جاذبة تنقل صاحبها من مواقع العوز والإهمال والهامش إلى امتلاك المليارات والنفوذ والحمايات والإعلام، سلطات مغرية وهائلة يدرك السياسي السّني يمكن أن تُنزع عنه في أية لحظة، ويصبح نسيا منسيا، إذا خالف اللعبة التي أدخلته في إطار الزعامة ” الوهمي”، وهو ما حصل مع الحلبوسي وخميس الخنجر، وقبلهم تعرض لها طارق الهاشمي ورافع العيساوي وصالح المطلك وآخرون .