الوراثة فوق الكفاءة : أزمة مجتمع معطوب… كتب رياض الفرطوسي

منبر العراق الحر :
في مجتمعات تتستر على الحقائق خلف أقنعة التقاليد، ينمو الاستبداد بنظام طبقي يلبس ألواناً زاهية ولكنه يعيد إنتاج التمييز العشائري والسلالي والعائلي. نعيش في عالم يقدس التسلسل العائلي، حيث يصبح النسب والوراثة هوية دائمة، ويُسوّق لذلك وكأنه إنجاز عظيم، بينما تُهمَّش الكفاءات والقدرات . نحن نُحكم من نخبة سياسية معطوبة، أسيرة التصورات العائلية والعقائد الصلبة التي تجعل الصيت بديلاً عن المعرفة، والجاه أسمى من الأخلاق، والسمعة أعلى من الإبداع. هذه النخب، التي تُعِد نفسها قادرة على قيادة التحول المدني، هي ذاتها التي تدعم التمييز وتكرس عبودية اجتماعية مقنَّعة . هذا الواقع لا يُعفي المجتمع من مسؤوليته. نحن مجتمع يصنع الطغاة الكبار والصغار، ويُغذي الاستبداد في مختلف مستوياته. من لا يجد منصة للتسلط السياسي، يمارس تسلطه داخل بيته أو على طلابه في المدرسة، أو حتى على أطفال في روضة. نُدين الطبقية والعنصرية في العلن، لكننا نمارسها في الخفاء، دون أن ندرك تناقضاتنا اليومية . لقد تحولت التقاليد إلى قيود تُكبِّل العقل وتُقيّد الحركة نحو التغيير. نحن أمام مجتمع يحتاج إلى “محاكمة ثقافية وفكرية” لتفكيك هذه الطبقية المغلفة ببراقع القيم والتقاليد. مواجهة هذه المنظومة ليست خياراً، بل ضرورة لإنقاذ مجتمع يعاني من انفصام بين القيم المعلنة والممارسات الفعلية . قال برنارد شو لأحد الدوقات: “شرف عائلتك انتهى بك، لكن شرف عائلتي بدأ بي.” لا يمكن بناء دولة مدنية حديثة إذا ظللنا نُقدس الماضي الوراثي ونُقصي الحاضر الإبداعي. لا بد أن تكون الكفاءة والإنجاز معياراً، بدلاً من الصيت والجاه . المجتمع ليس ضحية بريئة؛ بل مشارك في إنتاج الاستبداد وتعزيزه. علينا أن نتحرر أولاً من العبودية الفكرية والاجتماعية التي تجعلنا نُقدس المظاهر ونمارس التمييز دون وعي. التغيير يبدأ من إدراك دورنا الفردي في استمرار هذه المنظومة، ويمتد إلى محاكمة عادلة للأفكار والقيم التي تحكم سلوكياتنا اليومية . علينا أن نُزيل هذه الأقنعة، ونبني وعياً جديداً يقوم على النقد والمعرفة واحترام الإنسان كقيمة عليا. فبدون هذا، سنظل ندور في دائرة مغلقة من الاستغلال والتمييز، إلى أن تنفجر البالوعة تحت أقدامنا جميعاً .

اترك رد