منبر العراق الحر :
في بلد يرزح تحت وطأة البؤس والإنهاك، بينما تعيش سلطته في بحبوحة الثراء، يبدو انتظار المنقذ أو الحل السحري ضرباً من الأمل الساذج، الذي لا ينتج إلا مزيداً من الوهم. كل الاحترام لمن لا يزال يتمسك بهذا الأمل، لكن الواقع يثبت أننا بحاجة إلى مواجهة الحقيقة بدل التعلق بأوهام التغيير الخارجي. لدينا الآن أكثر من خمسة ملايين يتيم بلا تعليم، يعيشون في الشوارع وينشؤون بعيداً عن أي منظومة قيمية أو تربوية . هؤلاء الأطفال، إذا تُركوا لمصيرهم، سيصبحون في المستقبل وقوداً للجريمة والعنف، ما يعني أن السجون ستضيق بهم . حتى إذا ظهر المنقذ الذي نحلم به ( ذلك المفكر المثقف صاحب الرؤية ) فإننا في الغالب سنسقطه بأيدينا . سنطارده بالتهم، نشوه سمعته، ونجعله يبدو كأنه جزء من المشكلة لا الحل . حين انتهى النظام السابق، كنا نأمل أن نبدأ عهداً جديداً من الفكر والثقافة، لكن ما حدث هو العكس تماماً. جاءت موجة جديدة من اللصوص، وصار الحلم بمراكز أبحاث رصينة مجرد سراب. بدلاً من ذلك، ظهرت مراكز الشعوذة والخرافات التي تغذي العقل الجمعي بالوهم . توقعنا أن يولد جيل جديد، حداثي ومتطلع إلى المستقبل، لكنه أتى مشوهاً بفعل الإدمان والتزوير. اختفى الحلم بمراجعة نقدية حقيقية، وحل مكانه خطاب المنافقين وأصحاب الأقنعة . إذا أردت أن تصنع مجتمعاً فاقداً للبوصلة، يكفي أن تجمع مجموعة من “الدنابك”، وفرقة من الراقصات على هيئة مقدمات برامج، ومحطة فضائية حديثة. هذا كافٍ لتوجيه نصف الشعب نحو الرقص (والهجع )، فيما يظل النصف الآخر غارقاً في الحرن والعناد الثوري الفارغ . نحن مجتمع طَبَّال، مصمم على التيه، يرفض المراجعة الحقيقية ويتشبث بالأوهام. شعارنا الأساسي هو العناد والمكابرة، حتى عندما تكون الخيارات أمامنا واضحة . بدلاً من انتظار منقذ قد لا يأتي، أو يأتي مشوهاً مثل الواقع الذي نعيش فيه، يجب أن نبدأ التغيير بأنفسنا. يبدأ الحل بمواجهة الحقيقة، بتعليم الأجيال القادمة قيم النقد والبناء، وبإصلاح العقول قبل الحديث عن إصلاح الواقع .