منبر العراق الحر :
يوظّف مسلسل ( رأس الهرم ) الذي عرض مؤخرا على منصة البصرة 356 أزمة البديل السياسي لحكم البلاد، والخيارات الشعبوية الشائعة للخروج من الاختناق السياسي واليأس الذي يسببه الفشل في ادارة البلاد، وهي رغبات عادة ماتكون غاضبة فوضوية مثل القبول بشارون بديلا لصدام، او القبول بصدام بديلا لنظام المحاصصة، او ماحصل مع الحرب . حيث وُضع العراقيون في مازق التنافرالمعرفي، (صدام او الاحتلال) وهو ما وصفه أحد العراقيين المعارضين للحرب وصدام معاً، بابدال السرطان بالسكتة القلبية .
أحمد وحيد الفنان الذي اثبت خلال الفترة الماضية أن الكوميديا تنطوي على رسالة جادة ومعايير فنية محترفة، منتشلاً اياها من السطحية والتهكم والتحشيش الرخيص الى قول كلمة جريئة، ومصارحة شجاعة مع الرأي العام، يلعب في ( رأس الهرم ) بجدية حذرة على ذلك الشائع الشعبي مفترضا في عمله هذا تحقق الرغبة في ايجاد البديل السياسي “حدوث انقلاب عسكري للخلاص من نظام المحاصصة السياسية وسلطة الأحزاب والفساد وفوضى المؤسسات في البلاد”. حيث يقوم رئيس الوزراء ( جبار واثب) بدعوة رؤساء الاحزاب الى اجتماع نظم للحد من سلطاته فيرتب مع القائد العسكري ( الفريق أدهم) هجوما بالاسلحة لاغتيالهم جميعاً، ثم يعلن في خطاب الى الشعب سلطته المطلقة على البلاد بعد مقتل (الخونة) وإحلال نظام الطواريء الذي يلغي الانتخابات ويحل الدستور ويغلق وسائل الاعلام ويبدأ حملة اعتقالات دائمة لأصحاب الرأي، ويجلب اسوأ المستشارين للحكم وهم متآمرون فاسدون قتلة يشيرون عليه بتاسيس حزب أوحد في البلاد يبتلع الدولة ومؤسساتها، وتنتشر ظاهرة التقارير الكيدية وبطانات الفساد واهتمام الرئيس بشؤونه الخاصة ليصبح مزاجه الشخصي بديلا للدستور.فتدخل البلاد في اتون المؤامرات وحمامات الدم التي تنتهي بمقتله على يد وزير داخليته وشريكه في الانقلاب الاول ( الفريق أدهم )، الذي بدوره يعلن في خطاب الى الشعب عن سلطته المطلقة على البلاد ونظام الطواريء الذي يلغي الانتخابات ويحل الدستور ويغلق وسائل الاعلام ويبدأ حملة اعتقالات دائمة للمعارضين الرأي ، وكأنّه نسخة طبق الاصل من خطاب جبار واثب. أحداث حيكت بحبكة قصصية غير معقدة وبمشاهد ذات ايحاءات واقعية مثل موقف الرئيس جبار أمام أرملة صديقه الشهيد الذي اغتيل على يد مجهولين وغيرها مما يشير الى ضعف المسؤول الاول في الدولة وتسيد الاحزاب على عمل الحكومة والنوّاب على عمل المؤسسات . ليهيء دواعي الانقلاب ومايعقبه .
بدون تأويل أو تحليل يقول مسلسل ( رأس الهرم ) عبر ست ساعات درامية موزعة على عشر حلقات ( أن البديل الذي يتمناه الناس لما هو قائم في البلاد ، ثمنه ليس سهلاً، وأن التطلع الى منقذ أوحد للخلاص مما هم عليه الآن انما يدخلهم وبلادهم في نفق مظلم من الدم والظلم والخوف والقبضة الحديدية ) وعليه يمكن عد هذا النوع من الرسائل السياسية الوعظية المباشرة بما يشبه البوستر السياسي . متقن التصميم ، بليغ الفكرة ، موجز التفاصيل ، كي يؤدي غايته التعبوية السريعة ، لكن هذا البوستر السياسي يمكن قراءته باتجاهات عدة ، وربما متناقضة ، ففي الوقت الذي يكشف امكانية انهاء رؤوس الفساد في ليلة واحدة، يحذر من مخاطر النظام البديل على المواطن وامنه. وبلاده، فهو جريء في الأولى ، لكنه محبِطُ في الثانية. حتى فكرة انقلاب أدهم وياسر العسكريين المهنيين النزيهين، هوّنها المسلسل بنسخ خطاب جبار واثب بعد انقلابه الأول، المشهد الاخير الذي عالجة المخرج بذكاء حيث تداخلت كلمات الخطاب الذي القاه الفريق ادهم في نهاية المسلسل مع خطاب جبار واثب وكانهما ينطلقان معا بذات الكليشة التي تعقب كل انقلاب عن مصلحة البلاد وتصفية الخونة والعمل لصالح البلاد والمواطن، ليقول في النهاية : إن التغيير السياسي في العراق والعالم العربي دائما مايشبه إبدال مرض عضال بآخر أسوأ . وهذا يدخل في باب التهكم والسخرية من التحولات السياسية بل حتى الثورات على الانظمة الفاسدة، بحجة أن بديلها أكثر سوءا منها.
قدم لنا رأس الهرم ، مخرجاً شاباً يقظا هو مصطفى حكمت وأحمد وحيد مؤلفا ذكيا جريئاً وممثلا جادا، يخوض تجربته الأولى الى جانب فنانين كبار محترفين مثل أياد الطائي وطلال هادي والمبدعة الاء نجم ، والفنانين علي ريسان وزمن علي وزمن عادل وطه المشهداني ومحمد البصري وصبا ابراهيم وزهور علاء وبتول كاظم والفنان البارع يحيى ابراهيم الذي ادى حالات ومواقف متنوعة طوال الحلقات العشر وحضور ضياء الدين سامي رغم قصر دوره وعقيل الزيدي وفائز العبدالله ومحمد ناصر، وممثلون اخرون لم يكن أحدٌ منهم هامشيا بل قدموا هذا العمل ثقيل الأحداث خفيف الظل ببراعة .
3/12/2024