الحزب الشيوعي العراقي، ملح الوطنية وروحها…. ‏فلاح المشعل

منبر العراق الحر :
‏تشخص سرديات الوطنية العراقية بمآثرها العظيمة على امتداد قرن من الزمن، لكن أكثرها شموخا سرديات الحزب الشيوعي العراقي خلال عمره الذي يزيد على التسعين سنة، بكونها ذات طابع رومانتيكي تشخص فيه مآثر التضحية والنضال من أجل حرية الوطن وسعادة الشعب، تلك الأهداف التي يتجدد معها تفكير جميع العراقيين الأحرار.
‏مسارات النضال العراقي التي حملت عناوين الشيوعي والقومي والإسلامي، انتهت نتائجها إلى نهاية الدولة القومية، وتحول أحزابها إلى فاشية واستبدادية، وبينما الإسلامي يسعى نحو غاية بلوغ الجنة بعد الحياة، كما يوعد الفقراء بذلك، فإن الشيوعي يدفع بأعز ما يملك ويضحي بروحه من أجل سعادة المواطن المفقودة في الحياة، وليس في الآخرة كما يحلو لدعاة الدجل الإسلاموي!
‏الحزب الشيوعي العراقي أثرى العراق بأجيال من المفكرين والمثقفين والفنانين والأدباء، ومن لم يكن شيوعيا من تلك النوابغ، فقد كان صديقا أو لصيقا بالفكر الماركسي بكونه فكرا يحرر الإنسان المبدع من الانغلاق وقيود التخلف والعبودية والعشائرية والنزعة الطائفية المتطرفة، ولا يمكن لهذا المقال المكرس لتحية الشيوعي العراقي، حصاد مئات العناوين من ثمار المدرسة الفكرية والجمالية، بل يمكن اختصار ذلك بعناوين متقدمة على الصعيدين العربي والعالمي مثل الشاعر الجواهري والسياب وسعدي يوسف، وعشرات المبدعين في عالم الرواية والقصة والمسرح والتشكيل والنقد والفكر الاجتماعي والعمارة والنحت والتصميم، أجيال تورث أجيالا في مئة عام نضال وإبداع في فضاء العراق من شماله إلى جنوبه.
‏شهية النفس البشرية إلى الحرية والانعتاق من القيود وسلوكيات التزمت الاجتماعي والجمود الفكري، دفع الفكر الشيوعي إلى أن يعصف بالمجتمعات الدينية المغلقة، ويفتتح بضوئه عقول وتفكير رجالات العديد من العوائل الدينية المعروفة في النجف وكربلاء ومدن الجنوب والفرات الأوسط، كذلك شيوخ العشائر المتنورين والثائرين ضد الإقطاع والحكومات الرجعية والاستبدادية.
‏تظاهرات وإضرابات وانتفاضات في كركوك والبصرة وسوق الشيوخ وبغداد وأهوار الناصرية وقرى شط العرب، مسارح مفتوحة لبطولات وصولات الشيوعيين وأصدقائهم الأحرار لم تزل تضيء الذاكرة الوطنية المجيدة.
‏الشيوعي العراقي، لعله الحزب الوحيد الذي يقدم قادته شهداء لموقفه الثوري الرافض للنظام الملكي – الإقطاعي الذي أعدم عام 1949 زعيم الحزب يوسف سلمان يوسف “فهد ” وزكي بسيم “حازم” وحسين محمد الشبيبي “صارم”، لم يستسلموا ويتنازلوا عند رغبة نوري السعيد وإرادة المندوب السامي البريطاني، كان الخوف من الفكر الشيوعي يجتاح الشرق بعد ما اجتاح أوربا، كما تنبأ بذلك الفيلسوف العظيم كارل ماركس في البيان الشيوعي الذي أصدره مع صديقه الفيلسوف فردريك إنجلز عام 1848.
‏ويعاد الموقف البطولي في عام 1963 عندما قام الانقلابيون البعثيون بإعدام قائد الحزب حسين الرضوي “سلام عادل” ومجموعة كبيرة من قادة الحزب ورموزه وكوادره، بعد مقاومة وطنية شهدتها أغلب مدن العراق، ومرة ثالثة تعمد حكومة صدام حسين ونظامه الفاشي على إعدام وجبات متكررة من قادة وكوادر الشيوعي العراقي، وكان أخطر خسارة تعرض لها الحزب بعد قيام حزب البعث وصدام في نكث العهود والاتفاق والغدر بالحزب تحت أكاذيب زائفة عن مؤامرة وانقلاب وغير ذلك.
‏ما قدمه الشيوعي العراقي في منعطفات تاريخه وطيات السنين عبر مئة عام ماضية، لا يعزلنا عن الحاضر وأزماته، والتحول الذي حدث في العراق بعد الاحتلال وقيام نظام دستوري – ديمقراطي – هجيني لم تزل تتنفس في جوانبه وطبقاته روح الديكتاتورية، ويستقر على نظام المحاصصة العرق طائفية وما أنتجته من فشل وفساد مالي وإداري، حتى أصبح موضوع الفساد وتغوله يشكل سؤال الأسئلة في التخلص من أزمات الوطن المتزايدة خلال عشرين سنة مضت، وهنا تحضر النماذج الشخصية للشيوعيين الذين شاركوا بمواقع وزارية أو نيابية، وكانوا مثالا للنزاهة والإدارة الناجحة والإخلاص الوظيفي، بل مثار إعجاب الآخرين، ونذكر منهم وزير التخطيط الأسبق الدكتور مهدي الحافظ ووزير الثقافة مفيد الجزائري ووزير العلوم والتكنولوجيا الدكتور رائد فهمي، وما زلت أقول لو أن وزارات وهيئات الدولة العراقية أعطيت إداراتها للشيوعيين الأكفاء يكون بمقدر العملية السياسية وإدارة الدولة أن تمضي بخسائر وأخطاء أقل بكثير مما يحدث.
‏ختاما، أهنئ جميع الأصدقاء الشيوعيين بالذكرى الحادية والتسعين لتأسيس حزبهم المجيد، وسلاما وذكرى لأصدقائي شهداء الحزب، واذكر منهم محمد زهراوي ويحيى حسن مذكور وفاضل الفيلي والشهداء جميعهم الذين زينوا تاريخ العراق بالمجد والشرف والنقاء، وجعلوا منه قيمة روحية ومادية عليا، بل تعلو على القيم جميعها.

اترك رد