منبر العراق الحر :
المدينة لا تنام…
هي فقط تغمض عينًا وتفتح الأخرى،
تراقبنا ونحن نتظاهر أننا أحياء.
تضحك، لكن صوتها يأتي من بعيد،
كأنها تضحك على نفسها قبل أن تضحك علينا.
في الصباح، تتثاءب الأرصفة،
تستيقظ المحلات على أنين المولّدات،
والشوارع تمدّ ذراعيها مثل امرأةٍ تتعب من التجمّل كل يوم.
حتى الشمس تمرّ مترددة،
كأنها تقول: بصراحة… ما بقى عندي طاقة أشرق.
المدينة تعرف أسرار الجميع:
تعرف من نام من دون عشاء،
ومن كتب رسالة حبّ ثم مزّقها،
ومن سرق نفسه في الزحمة وظنّ أن أحدًا لم يره.
هي تعرف كل شيء… لكنها لا تتكلم،
فالصمت صار نظامًا عامًا هنا.
في المساء، تتجمّل المدينة بأنوارٍ ضعيفة،
كأنها تضع أحمر شفاه فوق كدماتها.
الناس يخرجون إلى الشوارع
كمن يشارك في مشهدٍ من مسرحية لا تنتهي،
كل واحد منهم يؤدي دور العابر بخيبة لذيذة.
المقاهي ممتلئة،
لكن الحكايات نفسها منذ عشرين سنة:
الحبّ، الغلاء، الهجرة، والحلم المؤجّل.
النادل ما زال نفسه،
ابتسامته معلّقة بين الأدب واليأس،
وصوته يقول: “ما تغيّر شي.
المدينة تتظاهر بالقوة،
لكنّي أسمعها ليلاً حين تسكت المولّدات:
أنينها يشبه أنين امرأةٍ تخبئ بكاءها كي لا يراها أولادها.
هي متعبة…
لكنها ترفض الانهيار،
مثلنا تمامًا،
تعيش بالقصائد وبالأمل المؤجّل،
وتضحك على الخراب كي لا تكرهه.
أحيانًا أتمشى في شوارعها
وأشعر أنها تتحدث إليّ:
اكتبي عني، بس بلا دراما.
خلي نصّك يضحكني شوي… أنا مليت البكاء.”
فأضحك وأقول:
“ما تخافي يا مدينتي،
رح أكتبك
شوية موسيقى، شوية سخرية،
وشيء من الحنين لا يعرف من أين جاء.
منبر العراق الحر منبر العراق الحر