منبر العراق الحر :
شهدت الساحة العراقية خلال الأسابيع الماضية حالة من الجدل السياسي والإعلامي بعد نشر قرار حكومي يقضي بتصنيف حزب الله اللبناني وأنصار الله (الحوثيين) اليمني كتنظيمات إرهابية وإصدار تعليمات بتجميد أموالهم وأصولهم. القرار الذي نُشر في جريدة الوقائع العراقية بالعدد 4848 بتاريخ 17 تشرين الثاني 2025، كان يحمل الرقم 61 لسنة 2025 وجاء ذلك ضمن جهود الحكومة لمكافحة تمويل الإرهاب ومواكبة المعايير الدولية المعتمدة من قبل مجموعة العمل المالي (FATF).
وفق نص القرار، كانت اللجنة المسؤولة عن تجميد أموال الإرهابيين، التابعة للبنك المركزي العراقي ووزارة المالية، قد أدرجت 24 كيانًا وكيانًا فرعيًا في قائمة الإرهاب مع التأكيد على تجميد الأموال المنقولة وغير المنقولة المرتبطة بهذه التنظيمات، بما فيها الأرصدة المصرفية والعقارات والممتلكات الأخرى والقرار استند إلى أحكام قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب رقم 39 لسنة 2015، ونظام تجميد أموال الإرهابيين رقم 6 لسنة 2023، وكان يهدف إلى تعزيز سيادة الدولة العراقية، وحماية النظام المالي من أي أنشطة غير مشروعة.
وان الإدراج هذا لحزب الله والحوثيين أثار ردود فعل إعلامية وسياسية واسعة فقد تناولت وسائل الإعلام العربية والدولية الخبر باعتباره خطوة عراقية مهمة لمكافحة الإرهاب وتمويله بينما اعتبره بعض المحللين السياسيين خطوة ذات بعد إقليمي، نظراً للارتباطات الجغرافية والسياسية لتلك الجماعات بدوائر نفوذ خارج العراق، خصوصاً مع إيران والمحاور الإقليمية الأخرى.
إلا أن التطورات الأخيرة كشفت عن مفاجأة جديدة ففي هذا اليوم الخميس 4 كانون الأول 2025، أصدر البنك المركزي العراقي بيانًا رسميًا أعلن فيه التراجع عن القرار السابق وأوضح البيان أن نشر القرار في جريدة الوقائع كان نسخة غير منقحة، وأن إدراج حزب الله والحوثيين كان نتيجة “خطأ إداري” أو “نسخة غير دقيقة” من القائمة النهائية وأن الجهات العراقية المختصة لم توافق رسمياً على تصنيف هذين التنظيمين ضمن قوائم الإرهاب وبذلك طلب حذف الفقرات المتعلقة بهما من القرار 61 لسنة 2025 وأصبح أي تجميد للأموال أو الحظر المصرفي ضدهما غير نافذ رسميًا.
هذا التراجع يعكس واقعين مهمين في السياق العراقي : _الأول، أن العمليات الإدارية والقانونية في تصنيف التنظيمات الإرهابية تحتاج إلى دقة عالية وتدقيق مستمر لتجنب الأخطاء التي قد تؤدي إلى ارتباك سياسي وإعلامي.
_الثاني، أن العراق يحاول الحفاظ على توازن دقيق بين التزامه بالقوانين المحلية والدولية، وبين واقع تحالفاته الداخلية والخارجية، خاصة وأن حزب الله والحوثيين مرتبطان بدوائر نفوذ إقليمية كبيرة.
_الأبعاد السياسية لهذه الواقعة تتعدى مجرد خطأ إداري فهي تسلط الضوء على حساسيات القرار العراقي وعلى محدودية وقدرة الدولة على التصرف بشكل مستقل دون مراعاة آثار ذلك على علاقاتها الإقليمية والدولية من جهة أخرى، فإن التراجع يعكس حرص بغداد على تصحيح الأخطاء بسرعة للحفاظ على مصداقيتها القانونية والسياسية، وتجنب أي تداعيات سلبية على النظام المالي والمصرفي العراقي.
كما أن الجانب الإعلامي لعب دوراً في تضخيم الحدث حيث نشرت العديد من وسائل الإعلام صباح اليوم تقارير تؤكد تجميد أموال الحزب والحوثيين، قبل أن تقوم لاحقاً بتصحيح الخبر وبعد صدور بيان البنك المركزي هذه الحالة أكدت أهمية التعامل بحذر مع الأخبار المرتبطة بالقضايا القانونية والسياسية المعقدة، خاصة تلك المتعلقة بالإرهاب وتمويله.
في الخلاصة، فإن تجربة تصنيف حزب الله والحوثيين والتراجع عنه لاحقاً، تمثل درسًا قانونيًا وسياسيًا هامًا للعراق فهي تبرز أهمية التدقيق القانوني والإداري في القرارات ذات الأبعاد الإقليمية الحساسة وتؤكد على أن الإجراءات المالية والقانونية المتعلقة بالإرهاب يجب أن تكون دقيقة شفافة، ومتسقة مع القوانين الوطنية والمعايير الدولية كما تؤكد على أن الدولة العراقية تعمل ضمن منظومة معقدة من الاعتبارات الداخلية والإقليمية والدولية، ما يستدعي تعاملًا حذرًا ومتوازنًا مع كل ما يتعلق بالقوائم الإرهابية وإجراءات تجميد الأموال.
منبر العراق الحر منبر العراق الحر