السياسة لعبة الكبار والصغار يدفعون الثمن…د.رافد حميد القاضي

منبر العراق الحر :

السياسة ليست مجرد إدارة للدولة أو إصدار قوانين، بل هي ساحة صراع دائم على المصالح، منصة للسلطة، ومسرح للمناورات والخدع ومن هنا ينبثق المثل الشعبي العميق : “السياسة لعبة الكبار والصغار يدفعون الثمن” هذا المثل لا يحمل مجرد حكمة تقليدية، بل حقيقة قاسية تعكس طبيعة اللعبة السياسية في العالم كله : حيث يتحرك الكبار في الظل، يبرمون الصفقات، يرسخون النفوذ، ويخططون لمصالحهم الشخصية أو مصالح مجموعاتهم بينما يقف الصغار، المواطنون العاديون، أمام موجة من القرارات التي لا يستطيعون التحكم بها، فيدفعون الثمن بأرواحهم بأرزاقهم، وبكرامتهم أحيانًا.

والسياسة الحقيقية، بعيدا عن الشعارات والبروباغندا، لعبة قاسية لا تعرف رحمة فالكبار فيها يمتلكون أدوات القوة : المال الإعلام، النفوذ، والقدرة على التأثير على الرأي العام وصياغة الوقائع كما يريدون. بينما الصغار، الذين يمثلون غالبية الشعوب يجدون أنفسهم ضحايا غير إراديين. فارتفاع الأسعار، انهيار الخدمات الأساسية البطالة، انتشار الفساد، و…و…الخ كلها نتائج مباشرة أو غير مباشرة لتحركات السياسيين الكبار إنها لعبة لا تُظهر الخسائر إلا عندما تدفع الثمن الفئات الضعيفة وتصبح الأرواح البسيطة والرزق المحدود هما فاتورة النجاح السياسي للكبار.

والتاريخ المعاصر والقديم مليء بالصور المؤلمة لهذه الحقيقة منذ الممالك القديمة وحتى الدول الحديثة، كان الشعب دائمًا هو الطرف الأضعف في صراع القوى وتحركات الحكام، قراراتهم، حروبهم، وتحالفاتهم غالبًا ما تركت آثارًا كارثية على المواطنين، بينما الكبار يستمتعون بالثروات والامتيازات ويعيشون في عالم معزول عن الواقع اليومي لمعاناة الناس ومثال ذلك واضح في الأزمات الاقتصادية، التي غالبًا ما تكون نتاجًا لتخطيط سياسي بعيد عن احتياجات الشعب، أو الحروب التي تُشعلها النزاعات الدولية بينما الأبرياء يدفعون الأرواح والممتلكات فالسياسة الحقيقية إذن، ليست لعبة عادلة، بل لعبة قوة، والخسائر غالبًا تكون على ظهر الضعفاء.

والمثال الأكثر وضوحًا اليوم هو العالم الحديث، حيث تُدار السياسات بمكاتب مكيفة، بينما المواطن العادي يرزح تحت وطأة الأزمات الاقتصادية، الفساد، ونقص الخدمات الأساسية فالكبار يتفاوضون على اتفاقيات دولية أو صفقات اقتصادية ضخمة، بينما المواطن البسيط يجد نفسه مضطرًا لدفع ثمنها بالضرائب، بانهيار اقتصاده، أو حتى بحياته في مناطق النزاعات فالسياسة هنا تصبح أداة للتمييز الطبقي، وسلاحًا للسيطرة على الجماهير في حين يُحرم الصغار من أي صوت حقيقي أو تأثير مباشر.

ولكن المثل لا ينتهي عند مجرد الوصف القاسي للواقع، بل يحمل تحذيرًا ضمنيًا : على الشعوب أن تصحوا من سباتها السياسي، وعلى الصغار أن يصبحوا لاعبين فاعلين لا مجرد ضحايا صامتين والمعرفة والوعي، والمشاركة في صنع القرار والمطالبة بالعدالة والمحاسبة، كلها أدوات تقلل من ثمن اللعبة السياسية وعندما يصبح المواطنون واعين ومطلعين، يمكنهم أن يحولوا لعبة الكبار من مسرح للدمار إلى منصة للمساءلة والتحكيم الاجتماعي والسياسي.

في النهاية، المثل الشعبي “السياسة لعبة الكبار والصغار يدفعون الثمن” ليس مجرد حكمة، بل محك قاسٍ للحقيقة : السياسة لعبة شديدة التعقيد، لا تعترف بالضعفاء، ولا تمنح العدالة مجانًا، لكن بوعي الجماهير ومثابرتها يمكن أن تتحول من حلبة استغلال إلى أداة تغيير حقيقية. الصغار اليوم هم الأمل الوحيد لتعديل قواعد اللعبة، وإجبار الكبار على دفع ثمن أخطائهم، بدلًا من ترك الضحايا يدفعون وحدهم.

د.رافد حميد فرج القاضي

اترك رد