منبر العراق الحر :
في عالم يزدحم بالكلمات والضجيج، يصبح الصمت هو النغمة الهادئة التي تسمعها الأرواح الحانية. الصمت ليس غيابًا للأصوات، بل هو حضور عميق، مثل البحر الذي يسكن أعماقه غموضٌ يوازي روعة السماء. هو عطرٌ يملأ الأجواء دون أن تُلمس رائحته، هو الفضاء الذي يملؤه السلام الداخلي في كل لحظة.
يُشبه الصمت الزهور التي لا تتفتح إلا في الهدوء التام، حيث لا تُزعزعها الرياح العاتية. هو مثل الشجرة العتيقة التي لا تحتاج إلى الكلمات لتُثبت قوتها، فالجذور التي تغرسها في الأرض تُحدث صوتًا أكثر صدقًا من كل الهمسات. لا يُحكى عن قوة الأرض إلا من خلال ذلك الصمت الذي يرافق الليل، حين ينصت الكون كله إلى النفس.
وفي كل لحظة صمت، هناك قصيدة غير مرئية تُكتب بحروف الروح. عندما يتوقف الزمان عن الحديث، يبدأ الصمت في رسم صور الحياة بدقة لا يمكن للأعين أن تدركها، لكن القلب فقط هو من يشعر بجمالها. كما أن القمر يضيء السماء دون أن يُفصح عن سر ضوءه، يظل الصمت سرًا في الروح، يمنحنا القوة ونحن لا ندرك كيف، لكنه يفتح لنا أبوابًا من السكون الداخلي حيث لا صوت سوى همسات الذكريات.
الصمت هو لغة الروح التي لا تترجمها الكلمات، هو الجمال الذي لا يحتاج إلى تفسير، لأنه يكمن في عمق التجربة الإنسانية. عندما نغرق في صمتنا، نكتشف الأبعاد الخفية للعالم، وعندما نتعلم كيف نصمت، نعرف كيف نعيش بسلام. إنه الصمت الذي يُنطق بالأشياء التي لا يمكن للكلمات أن تعبّر عنها، هو السكون الذي يولد فيه كل المعنى، كما يولد الضوء من ظلمة الليل.
الصمت هو سرّ الجمال الذي يظل مدفونًا في أعماق الروح. في صمتنا، نحن لا ننقص شيئًا، بل نزيد من قدرتنا على الفهم والإحساس بالعالم من حولنا. هو السكون الذي يعبر عن أكثر الأشياء جوهرية في الحياة، فتتفتح فيه الزهور النفسية وتكتمل الألحان التي لا نسمعها إلا عندما نسمح لصمتنا أن يصبح صوتنا.
منبر العراق الحر منبر العراق الحر