منبر العراق الحر :
وصالُ الحبيبةِ بَيْنَ التَّوَسُّلِ وَالتَّسَوُّلِ
* يا تُرى كيف يكون وِصالُ الحبيبةِ، والحُبُّ بالتَّسَوُّلِ ؟
*الحياةِ تَطغى عليها المادّةُ لِتَحُو كُلَّ شيءٍ جميلٍ.
* الأدبُ الكُرديُّ… أدبٌ شاملٌِّ آدابِ العالمِ.
الأدبُ الكُرديُّ… أدبٌ شاملٌ مجدِّ آدابِ العالَمِ… يَتَفَوَّقُ هُنا وَهُناكَ، فَيَغدو ألمانية الشَّمسِ… تُبِعِثُ دِفئَها ونورَها إلى الصُّدورِ… الشِّعرُ خاصَّةً… هذا لا يعني أنه ليس هناك تَفَوُّقٌ في الجاوانبِ الأدبيَّةيَّةُِ الأخرى، كالقِصَّةِ. القَصيرةِ والرِّوايةِ… والمسرحِ والمقالةِ والرَّسمِ… وأيِّمن جانبٍ أدبيٍّ آخر… فالجزءُ من الكُلِّ… الشِّعرُ لا يُفارِقُ الإنسانَ بعد إن هو أَغفَلَهُ. هو جزءٌ منَّا، من وِجدانِنا، مَهما طَغَتِ المادِّيّاتُ على سَطحِ الحياةِ… ومن القُوَى أشكرِ الباقية… والتي تُوهَبُ دون مُقابِلٍ… تَحيا في الرُّوحِ قبل الَجَسَدِ… تَكبُرُ مع الأيّامِ من مَنَبعِها الأصِيلِ… تُشقينا وتسعدُنا في الوقتِ نفسه… لا تَحيا الطيورُ والورودُ والأشجارُ والأنهارُ والجبالُ والبحارُ دونَها… هذه القُوَّةُ إنشاءُ… هي « الحُبُّ »… من منّا يحيا دونَ الحُبِّ ؟
الحُبُّ… أن تكون… أنت، أنا، رُوحًا واحدةً في جَسَدَيْنِ… وأنَّ اللهَ هو المحَبَّةُ… يا تُرى كيف يكون وِصالُ الحبيبةِ، والحُبُّ بالتَّسَوُّل…؟ في صيغة قصيدة الشاعر المُبدِعِ د. نافِعٍ عَقراوي« التَّسَوُّلِ » التي ترجَمَها بنَفسِهِ… تَفتَحُ العوالِمَ التي تُيَسِّرُ دُروبَ التأمُّل…
( من بَين ذَرّاتِ المَطَرِ، يتزاوَجُ الحَاضِرُ بِماضيك الأُسطوريِّ، مُتَفَجِّرًا في ثُقوبِ المَجَرّاتِ البَعيدةِ، مُكوِّنًا هَيُولَا ضخمًا تُدخِلُ الرُّعب بَيجنَتي، فَتُبعِدُني عن ظِلالِ حُبِّكِ ، أيَّتُها الحبيبةُ.أَتَوَسَّلُ بالحُبِّ فيَرفُضُني، أَتَوَسَّلُ أمامي عَلِيائِكِ فَتَطرُدِينِي،أَنتَظِمُ حَبَّةً في قِلادتِكِ… لا تَسُولَ… لا بَلْ لأتَّوَسُّلَ.
إن هذه الحَيرة التي تتجلى بين التَّوَسُّلِ والتَّسَوُّلِ… حَيرةٌ قديمة… بِعُمقِ التاريخِ… مُرتَبِطَةٌ بالأرضِ والرُّوحِ والجَسَدِ… هل كان لِقابيل وهابيلَ أن يتوَسَّلا للهِ… وقدقدما قُربانَيهِما ليَفوزا بالمرأةِ؟ الواقع… الحُلمُ… وهل الحُبُّ أُسمى من تلك العَلاقة الأُخُوِيَّةِ؟ ها أنت وأنا على الأرض رغم ذلك التوَسُّلِ، وعندما انجلى الصِّراعُ الأزليُّ بين قبيلَ وهابيلَ، للنومَ قبيلُ أخاهُ هابيلَ غَدرًا جائرًا… يَتَوَسَّلُ في قَرارةِ نَفسِهِ أن يجِدَ مَلاذًا يُخلِّصُه من هذا المازِقِ الذي وَضَعَ نَفسَه فيه… وعندما دَفَنَ أخاهُ، يظُرُ إلى ذلك الطَّيرِ الذي عَلَّمَهُ لُغزَ الدَّفنِ… لم يَهدَأ ولم يَطْمَئِنَّ تماماً… إلّا أن وَقَعَ في نَفسِ الحُفرةِ… وهي مَغوانا الأخيرُ… لِبدايةٍ أبديّةٍ به… هذه الحَيرة أما الحبيبةِ التي تُمانِعُ… التي قد تكون صورَ الأرضِ… القمرِ، النَّهرِ، الشجر، الجبل، والبحر… حَيرةٌ مؤلِمَةٌ… الآن وِصالَ الحبيبةِ مَهما كان… سكناها الأخيرُ في رُوحِنا وفِكرِنا… فهي تَتَفَجَّرُ كالبُركانِ وثورُ وتَقطَعُ مِحرابَ الفكرِ… تُشتِّتُنا على الوصفة الارِ المَشروخةِ… نَتَسَوَّلُ لكي نَجِدَ خَلاصًا من هذه العَذابات… وعندما تكونُ المُلهِمَةُ نائيةً… تُزيدُنا إصرارًا على التَّمَسُّكِ برُوحِ التنوع، فَتُحَرِّكُ فينا المشاعِرَ الإنسانيّةَ وَمُوحَ والقُوَّة… التي لا تتحَمَّلُ التَّراجُعَ .
(كالبُركانِ المُجَمَّدِ… ثارَتِ العُروقُ – قَطَعَت جُذورَ الفكرِ النّائمِ -سَلَّمَت أمرَها للمُصادفَةِ… بتِلقائيّةٍ ووِئامٍ – صاحَتِ الأنوارُ التي لا تَعرِفُ إلّا الانطِفاءَ – في جَسَدِ الأرضِ – لا سَبيلَ إليكِ – فَتَفَجَّرَ الصَّخرُ بوردتي – وقالَ الليلُ قَولَةً صائبةً: أيَّتُها الحبيبةُ الظِلِمَةُ… كُلِي واهجُري وابتَعِدي… ولا تَقدِرُ أيَّةُ قُوَّةٍ أن تَمنعَني من التَّسَوُّلِ.)
كثيرون يُطلِقونَ على النساءِ أنَّها… كاينٌ مَجهولٌ… أو أنَّ النساءَ…لغزا… وقد تكون لُغزًا مُحيِّرًا ،هذه هي العُذوبُ والألمُ…
يَفتَخِرُ الأديبُ السُّودانيُّ (الطيبُ صالحٌ) عندما قال:
« إنَّ الحضارةَ في رأيي هي أنثى، وكلُّ ما هو حضاريٌّ هو أنثويٌّ».
وأنا أقول: إنَّ الشَّمسَ هي أُنثى أيضاً…فلا عَجَبَ من شاعرِنا العَقراويِّ… أن يُصَمِّم على وصالِ حبيبَتِهِ وأرضِهِ، بعد لو كان ثَمَنُ الوِصالِ هو التَّسَوُّلَ…كُلُّ شيءٍ يَ تَلاَشَى إلَ بِلّاُ…قُوَتُها ليسَت في دُموعِها كماقالُ… في كِينونتِها، تَفكيرها، رُوحِها، غُموضِها، إرادَتِها…هي مَثوًى للشرِّ والخيرِ ل…
ذات يومٍ سُئِلَ فيلسوفٌ: أين يوجدُ الطّاغوتُ؟ فقال: «في رحم امرأةٍ».
إن ما نَستطيعُ أن نُحَمِّلَهُ من أجلِ من نُحِبُّهُ من ألَمٍ وعَذاباتٍ ومُعاناةٍ… هو مُختبرٌ لهذهِ الهالةِ القُدُسِيَّةِ « الحُبِّ ».
( أراني معكِ – مُستًَا بين نقع الأرض الخيرِ والشرِّ – أنتِ تُعَذِّبينَ بَعضًا بِيَدَيْكِ – تُجرِّهنها – جرعة أنا بين يَدَيْكِ أَصبَحتُ حَشيَّةَ قَشٍّ – يتدرّبُ عَلَيَّ المالكي بضَربي – تتَكسَّرُ أضلُعي – تُنادي الأفراحُ – صُراخًا صامتًا – إنْ لا قُوَّة في الأرض – تَستطيعُ مَنعِي من التَّوُّلِ ).
إن الإصرارَ على شيءٍ… هو الوصولُ إلى الزوارِ كانتِ المَعَوِّقاتُ والنَّتائِجُ… الخوف، القَلَقُ، الألَمُ، الصُّدودُ، الضَّبابُ… كُلُّ هذه المدلولاتِ لو تَجَلَّت لا تَجَلَّت الإنسانَ في وَهنٍ… بل تَزيدُه إصرارًا على التَّمسُّكِ بما يَطْمَحُ عنه… خاصّةً إذا كان الهَدَفُ عميقًا، جذر الاهتمام، وهو نوع من الاهتمام…
( أَصبَحَ قلبي كَشوارعِ مَدينتي – يَتَّسِعُ للخوفِ والقَلَقِ الأكثرِ -وصارَ مُروري أمامكِ – أشبَهَ بإلقاءِ حَجرٍ في غديرٍ – دونَ أن يُبشِّرَ اهتمامَكِ!! -ليلٌ كاملٌ لا شقوقَ فيهِ – تنزلِجُ على جَناحيهِ الكَلِماتُ -ولا يُنبِئُ الصَّباحُ نورَ المساِ – إنْ لا قُوةَ في الوُجودِ – تَمنعُني من التَّسَوُّلِ.).
نحن كُل ما فَكرَّنا أكثَرَ… كان سَيلُها أكثَرَ وأقوَى… وإنّ فكرةَ الخوفِ تَستوعِبُ جميعَ الأفكارِ القَلِقَةِ، المُخِيفَةِ، السَّوداويّةِ… بَينما تَتَرُّ الأفكارُ المُتَفائِلَةُ أفكارًا أجملَ وأعظَمَ…حينما يجتَرُّ وتأمَّلُ فكرة قَلِقَةً، خائِفَةً… يَعْدو الشاعرُ «العقراوي» أفكارَهُ بتَعَجُّل مريري…إن الذاكرةَ، التأمُّل، والمجهول… في مَتاهةٍ داخلَ بُركانٍ… لا تحتاجُ عميقُه إلى صَرخةٍ قد تكون هادئةً يَستخرجُّ منها إصرارَه .
( أجتَرُّ الجيناتَ بتَعَجُّلٍ مريرٍ – أَتأمَّلُ فكرةً قَلِقَةً، خائِفَةً – لِتُصبِحَ نارًا تلطِمُ – شُطآنَ أخِرَتي بغيرِ حديثٍ – ولم لا يوجد كالذي يَدفعُ العازفَ ليُحدَ النَّغمةَ — تائه في التاريخ الذي لم يَأتِ – يُشيرُ الشهيقَ بضَنَكِ الحياة – صارخًا بهدوءٍ – ألا أحدَ يمنعُني من التَّسَوُّلِ.) .
إنْ لم يمنَعْهُ التِّيهُ والحَيرةُ والوَهَنُ والسَّأمُ والقَلَقُ والخوفُ والمجهولُ من التَّسَوُّلِ… للوصولِ إلى غايتِهِ… فمَن يَمنعُه؟
هل تمنعُه الحبيبةُ التي تُعَذِّبُهُ بصَمتٍ وتكويهِ بَظى الألَمِ…؟
( ذكرياتُكِ أيَّتُها الحبيبةُ العاقَّةُ – تَهرُشُني كحَليبِ أوراقِ التِّينِ – تكويني كالألَمِ ولوجسِ – تُعَذِّبُني كالصَّمتِ الصَّاخبِ…ها هي جُدرانُ الضَّبابِ تُحاصِرُني – ويكادُ إبهامُ قدمي يَثقُبُ وَجهَ الحِذاء – ولن تَقدرَيَّة أُ قُّةٍ – ولا أنتِ أيَّتُها الحبيبةُ – أن تَمنعيني من التَّسوُّلِ.) .
إن العُصفور يَقُلُ زَقزقَتَهُ ويَقِلُّ مَرَحُهُ عندما لا تجدُ إلّا على كِسرَةِ خُبزٍ… وعندما تَجِدُ عُصفورًا مَرِحًا… فاعلَمْ أنه في دَاخِلِهِ يُؤمِنُ بالسَّعادةِ… يَعلَمُ باسم الرَّبيع آتٍ… فينظر يُؤمِنُ «العقراوي» بالرَّبيعِ… بالوصولِ إلى هدَفِهِ… إلى وصالِ الحبيبةِ التي تأبى الخُروجَ من اخَرَتِهِ ووِجدانِهِ… ورُوحِهِ… وأرضِهِ…؟هل من نورٍ بورتٍ أو حلٍّ لهذه القِصّةِ القديمةِ… الجديدةِ؟ هل الموتُ أم الإصرارُ هو الحَلُّ الأخيرُ؟ إن «العقراوي» اختارَ حلَ مع نفسهِ بين تساؤلاتِهِ التي هي في الوقتِ نفسهِ حِكمةٌ لكلِّ الأجيالِ والمُعذبينَ والمحرومينَ.
(الليل داج – النورُ يُحدِثُ فيه ثُقبًا أُسطوانٌ متنوع – يثقُبُ الأرض معهُ – مُحدِثًا هُوةً مستديرة الشَّكلِ تَحتَهُ – ليَصِلَ إلى جُمجُمَتي كُلُّ التَّوتُّرِ – فسألُ نفسي بعدَ عَذابِ المسيرِ – والقِصَّة الضَّائعة، التَّاةِ…)
لو عَرَفَ أي إنسانٍ ماتى يَمتَنِعُ عن أتِّخاذِ الخُطوةِ الأولى
لتَغَيِّرت أشياءُ كثيرة…
( وأنا كمُضارِعٍ مُستقبليٍّ – أقدِرُ القَولَ: سَأموتُ… سَنموتُ…ولكن كماضٍ تاريخيٍّ – هل أقدِرُ القولَ: إنِّي مِتُّ…؟ ).
يا تُرى اختارَ الشاعرُ بعدَ هذا السبيلِ الطويلِ والجهدِ الكبيرِ؟
( أيَّتُها الحبيبةُ العقَّةُ – ولن تَقدِرَ أيَّةُ قُوَّةٍ – كَفاني عذابًا… لن تَقديري – أن تَمنعيني من التَّسَوُّلِ… التَّسَوُّلِ…).
اختارَ الشاعرُ التَّسَوُّل… لأنَّهُ شَعَرَ، وَجَدَ، تأكَّدَ… أن ليس هناك سبيلٌ آخرُ هذا السِِّ… فاضطُرَّ أن يكون مُتَسَوَّلًا إلى أرصفةِ المَشروخةِ… في النهايةِ السيئِ الجعريحة… في النهايةِ الإدمان… لِيَكُف هذا العذابُ الرُّوحيُّ في هذه الحياة التي تَكادُ تَطغى عليها المادّةُ لِتَحُو كُلَّ شيءٍ جميلٍ… لكن هيهات…
ما دامُبُّ طفلًا صغيرًا في أحشائِنا… يُدغدِغُ نَبَضاتِ قلوبِنا… وكُلَّما يَكبُرُ لا نَشعُرُ بالكِبَرِ… لأنَّنا نُريدُ طفلًا… لِيُسعِدَنا رُوحُ التجارب ويُشقينا…!!
منبر العراق الحر منبر العراق الحر