عندما يصبح الفيسبوك ساحة نقدٍ جاد….عبدالكريم حنون السعيد

منبر العراق الحر :….قراءة في فكرة الأديب الناقد عبدالكريم حمزة عباس…

كلّ يومٍ يتحفنا الأديب والناقد الكبير الأستاذ عبدالكريم حمزة عباس بأفكارٍ رصينة، تنمّ عن وعيٍ نقديٍّ عميق، وحسٍّ ثقافيٍّ عالٍ، يستحقّ عنه ألف شكرٍ وتقدير، وآياتٍ من الحبّ والاحترام.

وليس هذا الإطراء من باب المجاملة، بل هو اعترافٌ بدورٍ نقديٍّ متقدّم، يشتغل على واحدٍ من أكثر الفضاءات إشكالًا في حاضرنا الثقافي: فضاء الصفحات الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي.

إنّ الفكرة التي يطرحها الأستاذ عبدالكريم حمزة عباس، والمتمثّلة في وضع الصفحات الشخصية للأدباء والشعراء تحت عين النقد الأدبي، تُعدّ فكرة ذكيّة، جريئة، ومهمّة في آنٍ واحد.

فهي تنقل النقد من أبراجه الأكاديمية المغلقة، ومن مقالاته النخبوية المحدودة التداول، إلى قلب المشهد اليومي الذي تُصنع فيه السمعة الأدبية، وتُبنى فيه الذائقة، ويُسوَّق فيه النص – أحيانًا بلا ضوابط أو معايير.

لقد تحوّلت صفحات الفيسبوك، في السنوات الأخيرة، إلى منصّات نشرٍ مفتوحة، يختلط فيها الغثّ بالسمين، والنصّ المكتمل بالمسودّة، والادّعاء بالموهبة الحقيقية.

ومع غياب النقد الجاد، سادت فوضى النشر، وتشوّهت البوصلة، وغابت الحدود بين الكاتب والمتلقي، وبين التجربة الناضجة والتجريب العابر. من هنا تأتي أهمية ما يقترحه عبدالكريم حمزة عباس: نقد ذكي، هادئ، مسؤول، يراقب الأداء لا الأشخاص، ويقوّم النص لا النيّات.

ولو أنّ النقّاد تبنّوا هذه الآلية، واستخدموا أدواتهم المعرفية لتحليل ما يُنشر على الصفحات الشخصية، لكان لذلك أثرٌ بالغ في تنظيم المشهد الأدبي الرقمي، وإعادة الاعتبار لمفاهيم الجودة، والتراكم، والاشتغال الواعي على اللغة والرؤية والأسلوب.

عندها لن يكون النشر مجرّد فعلٍ استعراضي، بل ممارسة ثقافية تخضع للمساءلة الجمالية والفكرية. إنّ ما يقدّمه الأستاذ عبدالكريم حمزة عباس ليس نقدًا عدائيًا، ولا تصفية حسابات، بل خدمة حقيقية للأدب بأجناسه المختلفة: الشعر، السرد، المقالة، والنصوص الهجينة الجديدة. خدمةٌ تعيد للنقد دوره التنويري، وللأديب مسؤوليته، وللقارئ حقّه في نصٍّ جديرٍ بالقراءة. في زمنٍ تتسارع فيه الكتابة، وتُستهلك فيه الكلمات بسرعة المنشورات، تظلّ هذه الفكرة النقدية علامة وعي، وإشارة أمل، ودعوة صريحة إلى أن يكون الفضاء الرقمي امتدادًا جادًا للثقافة، لا مقبرةً لها

اترك رد