معالجة الأزمات الدولية المتعددة ، في عصر التقلبات الجيوسياسية ، والجيو اِقتصادية … بقلم الكاتب الإعلامي : الدكتور أنور ساطع أصفري

منبر العراق الحر : .

الأزمات بكلِ تأكيد ليست وليدة اللحظة ، وليست بجديدة ، فهي موجودة منذ بدء الخليقة ، ولعل الأزمة الأولى كانت حينما أقنعت حواء آدم بأكل التفاحة التي حرّمها الله ، وكانت النتيجة خروجهما من الجنة .
الأزمات والنزاعات قولاً واحداً لا تُحلّ إلاّ عن طريق المفاوضات الجادّة ، فمنذ بدء الخليقة المفاوضات قائمة ، إن كان بين آدم وحواء ، أو بين قابيل وهابيل ، أو بين الشعوب المشاعية والقبيلة والعشيرة ، أو بعد ذلك على مستوى الوسطاء ، ومن ثمّ على مستوى المنظمات والدول .ففي أزمان العشائر والقبائل كان الحكماء من هذه القبيلة أو تلك يسارعون للتفاوض والحوار لحل المشاكل بينهما ، ويُجنّبون الناس من صراعات محتملة ،
فالمفاوضات هي البديل عن الحروب ، والويلات والأزمات ، والفقر والقهر والمرض والتخلف .
فالبشرية عانت منها كثيراً بسبب عدم قدرة قادتها من ولوج باب المفاوضات ، فانتهجوا الحروب ، والمنتصر فيها مهزوماً بالحقيقة ، لأنه إنتصر على حساب أبنائه وموارده وبنيته ، فهو مهزوماً حتّى ولو إدّعى أنه إنتصر على خصمه .
نظرياً القانون الدولي هو الذي يتحكّم بحل النزاعات الاقليمية والدولية ، بمختلف ملفاتها . حيث أن القانون الدولي يُلزم المجتمع الدولي بالعودة إليه بهدف حلّ النزاعات والأزمات .
ولكن على أرضية الواقع رأينا كيف أن الأقوياء يقومون بحلّ الأمور عن طريق إستخدام القوة ، وغالباً المسلّحة بعيداً عن القانون الدولي وعن العلاقات التي تتحكّم بذلك القانون .
طبعاً نأخذ بعين الاعتبار أن هناك أسلحة فتّاكة قد تُستخدم لحل الأزمات والنزاعات ، ومن شأنها أن تُلحق كل الأضرار بالدول أو بالدولتين المتنازعتين .
لذلك المجتمع الدولي سعى لوضع مبادىء تُنظّم العلاقات الدولية والاقليمية ، فهناك إتفاق لاهاي عام 1907 ، وعهد العصبة لعام 1919 ، وميثاق لوكارنو لعام 1925 ، وميثاق التحكيم العام لسنة 1928 .
أمّا فيما يخصّ ميثاق الأمم المتحدة فمن جانبه ألزم الدول الأعضاء على فضّ منازعاتهم الدولية بالوسائل السلميّة ، بشكلٍ لا يُعرّض السلم الدولي للخطر . كما جاء في الفقرة الثالثة من المادة الثانية للميثاق .
والمادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة نصّت على أن منع أطراف النزاع أن يُعرّضوا حفظ السلم والأمن الدولي للخطر ، وأن يلتمسوا الحل بالطرق السلمية .
وعندما نذكر الطرق السلمية فأول ما يخطر في بالنا الوسائل الدبلوماسية والوسائل القضائية .
فمن خلال الوسائل الدبلوماسية التي غالباً تُعرف على أنها ودّية ، فهي تلعب مع إدارة الدول دوراً كبيراً ، لأن الخلافات والنزاعات والأزمات إذا كانت سياسية ، فالسبيل الأنجع لحلها هو القنوات الدبلوماسية يُراعى فيها بشكلٍ أساسي التوفيقِ بالمصالح المتضارب عليها .
وغالباً يُضاف إلى القنوات الدبلوماسية القنوات القضائية في حال كانت النزاعات اقتصادية أو جغرافية .
وحلّ النزاعات بهذا الشكل يحفظ حقوق الدول ويصونها من الدمار ، وأيضاً من الإعتداء ، إضافةً إلى ذلك فإنه يُوفّر أجواء إيجابية بين الدولتين المتنازعتين أو أكثر من دولة .
فالوسائل الدبلوماسية تُمارس برضا وإتفاق الدول أو الأطراف المتنازعة ، والتي تحترم نتائجها وتصونها .
فالمفاوضات هي أقدم الطرق في تسوية الخلافات وأكثرها إنتشاراً ، وبعيدة بنفس الوقت عن التعقيد ، حيث أنها تُمثّل إتصالاً مباشراً بين الدولتين المتنازعتين ، بغية تسوية الخلاف عن طريق التواصل المباشر ، وحينما يفشل هكذا حوار ، تلجأ الدول إلى التسوية القانونية عن طريق التحكيم أو القضاء الدولي .
ولغاية هذا الوقت يُعتبر الاتصال والتواصل المباشر كمفاوضات هو الاسلوب الأمثل في حل المنازعات الدولية ، لأن هذه الدول وحدها هي التي تُدرك وتفهم ظروف النزاع وملابساته ، بعيداً عن التدخل من دول أخرى لها مصالح ومكاسب في التدخل في مثل هكذا شؤون . ففي كثيرٍ من الأحيان أن الطرف الثالث قد تكون له مصالح معينة في تسوية أي نزاع بطريقةٍ تتلائم مع مصالحه وتمرير أجنداته .
ولو عدنا إلى الوراء قليلاً نرى كيف أن فرنسا قامت بالتحاور والاتفاق مع ممثلي الثورة الجزائرية ، على منح الاستقلال للجزائر عام 1961 ،
وبنفس الوقت من الممكن حل الخلاف بين دولتين عن طريق طرف ثالث كمساعٍ حميدة ، بهدف خلق أجواء أكثر ملائمة للمفاوضات المباشرة وإيجاد تفاهم مباشر بينهما .
ومن المؤكّد أن تعرقل المفاوضات المباشرة سيصل بالدولتين إلى النزاع المسلح ، ولقد كانت هناك نزاعات اقليمية ما بين فرنسا وتايلند ، لكنها حُلّت عن طريق مساعٍٍ حميدة قامت بها الولايات المتحدة ، وليس بالضرورة أن تكون المساعي ناجحة ، فهناك مساعٍ حميدة فشلت ، وعلى سبيل المثال فشل المساعي الحميدة الاسلامية التي تشكلت نتيجة اجتماع القمة لمنظمة المؤتمر الاسلامي في الطائف عام 1981 . ولقد بذلت هذه اللجنة جهوداً لوضع حدٍ للحرب الإيرانية العراقية عام 1980ى ولكنها لم تُوفّق .
حيث أن الدول لها الحق في قبول الوساطة أو رفضها ، ولا يُعتبر الرفض هنا مخالفاً لأحكام القانون الدولي ، وهناك أمثلة على ذلك ، حيث رفضت هولندا وساطة الصين عام 1947 في النزاع الذي نشب بينها وبين اندونيسيا ، وكذلك رفضت المغرب وساطة مصر في حل النزاع الذي قام بينها وبين الجزائر عام 1963 ، وقد تلجأ الدول المتنازعة إلى التحقيق عن طريق المجتمع الدولي ، حيث يتم تعيين لجنة تحقيق دولية تقوم بفحص حيثيات الخلاف والبدء في التحقيق من خلالها ، حيث يتم اللجوء إلى هكذا لجنة تحقيق ، على سبيل المثال في عامي 1924-1925 لتحديد الحدود العراقية التركية بعد الحرب العالمية الأولى .
أمّا معاهدات الصلح التي عقدت بين الحلفاء وإيطاليا عام 1947 ، فالتوفيق هنا تحوّل إلى تحكيم في هكذا معاهدات ، وبالتالي تم العمل على إنشاء لجان للتوفيق تكون قراراتها مُلزمة لدول النزاع .
المفاوضات والحوار هو نهجٌ وعلم بحد ذاته ، وله منهجه الذي يقوم على المصالح المشتركة ، ولكن مع مرور الوقت ، كلّ هذه الأمور وقولاً واحداً تلعب بها مصالح الدول الكبرى ، والتي تتحكم بكثيرٍ منها ، بعيداً عن المنظمات الاقليمية والدولية وبعيداً عن الأمم المتحدة .
ففي القاموس السياسي \ إن أسوأ سيناريوهات القوة إستخدامها \ .
وهذا هو الحال في عصر التقلبات السياسية والاقتصادية والاعلامية والتربوية والدينية والثقافية . حيث إنتشر الفساد السياسي والاقتصادي ، وإنتشرت سياسة التبرير في المواقف ، وإنتشر الفعل العسكري والمسلح في كل مكان ، وتجلّت شريعة الغاب في صورٍ جديدة ، وأصبحت الهيمنة هي السياسة المعمول بها في كل مكانٍ من العالم .
فمؤتمر 1917 حرّم على المنطقة العربية أن تتطور ، ويجب أن تبقى متخلفة عن دول العالم الأخرى ، وحاولوا توجيه ضربة جديدة لهذه المنطقة من خلال فكرة الشرق الأوسط الجديد الذي تمت البرمجة له منذ حوالي نصف قرن ، وتابعنا الأحداث التي شهدتها المنطقة العربية منذ حوالي 12 عاماً ، فالدول الكبرى لعبت كما يحلو لها ويروق في المنطقة وأدخلت إليها كافة أشكال المرتزقة والمأجورين للعمل على تمرير المخططات المشبوهة والشريرة ، ولا تزال بعض الدول تُعاني من ذلك المخطط الصهيوأمريكي مثل اليمن وسورية وليبيا والعراق ولبنان والسودان وفلسطين .
تجلّى في ال 30 سنة الماضية عصر القطب الواحد الأمريكي الذي يتحكم بمجريات الأمور الدولية ، والآن تحطمت سياسة القطب الواحد من خلال ظهور تجليات القوة في دول أخرى مثل الصين وروسيا وكوريا ، ولعل المخطط المرسوم هو بروز الحلف الجديد وكقوة منافسة للقطب الأمريكي ، ولعل هذا النهج بدأ يتضح أكثر من خلال تراجع الدور الأوروبي ، وأمريكا كانت تكسب بريطانيا وأوروربا في مواقفها وإلى جانبها ، فالدور الأوروبي يتراجع الآن ، وأمريكا تجلّى نفاقها مع الدول الأخرى وبدا واضحاً ، والدول الصاعدة مستمرة في تقدمها وإبراز ذاتها كقوة دولية بديلة ، وإذا تحقق ذلك ، معنى هذا أننا سنشهد بروزاً متصاعداً للقوة الجديدة والتي تشمل الصين وروسيا وكوريا والهند والبرازيل .
المنطقة العربية باستطاعتها أن تنمو ذاتياً من خلال مواردها وثروتها المعدنية والزراعية والحيوانية ، ولكن دول الغرب يحجبون عنّا التطور والتقدم إلى الأمام خطوة واحدة منذ أكثر من 100 عام ، وعلى سبيل المثال ، السودان لمفرده يُغذي العالم العربي كله باللحوم ، أين هي هذه الثروة ؟ ، وسورية ولبنان والضفة الغربية بإستطاعتها تغذية العالم العربي كله بالخضار والفواكه ، أين هي ؟ ، مصانع الحديد في مصر أين هي ؟ ، انتاج الحبوب والقطن لماذا تراجع كثيراً ؟ ، أسئلة كثيرة ، لا نجد أي جواب منطقي لها ، وإذا تعمّقنا بالرؤية الثاقبة وبالأحداث نرى أن التبعية العمياء للدول الكبرى فعلت كل شيء ، وحطّمت أحلام وطموحات الأوطان والأمة والمواطن الإنسان .
في الواقع هناك وفي عصر التقلبات نتوه بين الثابت والمتغير في الثقافة السياسية والاقتصادية ، وفي علاقة الدولة إن بمجتمعها أو بالدول الأخرى ، حيث ينتشر النفاق بكل أشكاله ، وإذا أخذنا منطقتنا كمثال ، نراها لا تختلف إلاّ من حيث الشكل عن الدولة العربية الاسلامية منذ عهد معاوية ، وأنها لا تزال تحتفظ بدواخلها بالعناصر التأسيسية المكوّنة للدولة ، من حيث كونها مؤسسة قهرية تضع نفسها فوق المجتمع ، وتحكمه تارة باسم الدين وتارة أخرى باسم المصلحة العامة أو بغير ذلك من الشعارات .للأسف هناك حالة تيهٍ سياسي ، وهناك إنعدام في الرؤية السوية ، فكل فاجعة أو كارثة تحلّ هنا أو هناك تُبرر فوراً بأشكالٍ مختلفة ، ومع الأسف أن أكثر من يعتلون الصروح السياسية ” إلاّ من رحم ربي ” إمّا جاهلاً غافلاً ، أو لا مبالياً ، أو مستسلماً لأجندات الأسياد ، أو مرتبطاً بالخيانة والعمالة لأطرافٍ أخرى .
كل الدول الكبرى في عصر التقلبات تُمارس لعبة الأدوار السياسية في إنسجامٍ تام وكامل وفق مخططات وأجندات يعملون من خلالها لتقوية أنفسهم ولتحطيم الآخر ووفق مصالحهم ومكاسبهم .ورأينا كيف أن الصراع على نفوذ وقيادة العالم بين الولايات المتحدة والصين لم ينتج عنه صراعاً مباشراً ، بل لعب الدور الاقتصادي دوراً بارزاً فيه ، ومن ثُمّ جاء وباء كورونا الذي هو \ فايروس مُصنّع ومُصدّر \ ودفعت الشعوب ضريبةً كبيرة لقاء هذا الوباء الّلا أخلاقي والذي صنّعته مراكز الحروب البيولوجية في نيويورك في الولايات المتحدة ، ومن ثُمّ إنقلب السحر على الساحر ، وعانت الولايات المتحدة من الوباء أكثر من أي دولة أخرى ، بسبب تسرّب الفايروس المصنّع من ثلاث فايروسات في فايروس واحد ، من مركز بحوث الحرب البيولوجية في نيويورك ، ووثيقة صنع الفايروس في مختبر مركز الحرب البيولوجية مؤلّفة من 65 صفحة . كما أن الدول المعنيّة في توجيه الأزمات للدول تقوم بالتلاعب وفق مصالحها في أسعار النفط والمواد الخام من خلال التلاعب بالاسعار والتلاعب بحجم الكميّة المصدّرة .ونحن في هذا الزمن الرديء المتردّي ، أصبحت الأزمات تحدث في كل مكان ، وبشكلٍ خاص حينما أصبح العالم كتلة متضاربة سياسياً واقتصادياً وثقافياً وفكرياً وصحيّاً واجتماعياً ، ممّا خلق محيطاً يطفو بالأزمات المتلاحقة ، وبتأثيرات متفاوتة بشكلٍ تكون نتيجته التفاعل المتبادل ، ممّا يجعل من الأزمات جزءاً أساسياً من نسيج الحياة ، وحقيقة تؤثّر في النسيج النفسي وصولاً إلى الصراع بين الدول ، والذي غالباً قد ينتهي بحروب عسكرية ، ولعلّ من أهم الأسباب التي تؤدي إلى نشوء الأزمات هو تعارض المصالح السياسية والاقتصادية والفكرية وسوء إدارة الحكم ، والإشاعات ، وسوء الفهم ، والابتزاز ، وغياب المعلومة ، وعدم وضوح الرؤية الثاقبة والشاملة لمستقبل الأزمة لدى مراكز القرار في القيادات السياسية ، والتحضير المسبق لافتعال الأزمات بشكلٍ مقصود من قبل بعض القيادات السياسية ، ونشوء أطراف موالية وأطراف معارضة للنزاع ، ممّا يؤجج المواقف ويخلق ضغوطاً إضافية تسبب المزيد من المشاكل والأزمات المتفرّعة . مع الأسف أزمتنا والأزمة الدولية هي أزمة أخلاق ، وأزمة مواقف رجولية وحكيمة ، فلا بدّ من توفير القدرة العلمية على إستقراء مصادر التهديد أو الأزمات المتوقّعة أو المحتملة ، والاستغلال الأمثل للمواقف الايجابية ، وللموارد والامكانيات المتاحة للحدّ من تفاعل الأزمات ، منا من الضروري وجود مركزاً في القيادة متخصصّاً في إدارة العمليات ومتابعة الأزمات أو النزاعات . والعمل بشكلٍ جاد على تجنيب البشر من الآثار الضارة والسلبية للأزمات . والعمل على وقاية الأحياء والممتلكات في جغرافية الأزمة والتخفيف من المعاناة . والتركيز والتخطيط بشكلٍ جاد لإعادة الحياة إلى طبيعتها من خلال مجموعاتٍ متخصصّة . حيث أن إدارة الأزمات تحتاج إلى رؤية شاملة حديثة ومتطوّرة في كل المجالات مثل الفكرية والصحية والتخطيط والتوجيه والرقابة ، وعدم إنكار الأزمة والتعامل معها بواقعية ، ووضع مصلحة المجتمع والإنسان في المقام الأول ، والتعامل مع الأزمات بكلِ حذر وحكمة بهدفِ تقليل ومحاصرة المطبّات ، واستخدام إستراتيجيات بديلة وجديدة بشكلٍ مستقبلي لمعرفة كيفية التعامل مع الأزمات المحتملة وإيجاد الحلول المبكّرة لها قبل تفاعلها ، وتوجيه الجهود لمواجهة أي مخاطر مستقبلية محتملة .
منطقة المرفقات

اترك رد