إنتشار الفضائيات وتأثيرها على الإنسان والمجتمع ____ الكاتب الإعلامي : الدكتور أنور ساطع أصفري .

منبر العراق الحر :عندما نتحدّث عن الفضائيات وكمّها أو عن مواقع التواصل الإجتماعي ، أو عن الأجهزة الإعلامية بشكلٍ عام ، فإنما نقصد التحدّث عن الإعلام النزيه ، وعن حملات التضليل التي تقوم بها الجهات الإعلامية المشبوهة .
حيث أن المشهد الإعلامي على الساحة العربية بشكلٍ عام غنيٌّ بأمواج الفوضى ومن كل الاتجاهات ، فليست هناك ضوابط مهنية أو أخلاقية أو إنسانية ، أو حتّى ضوابط وطنية وقومية .
فالفضائات العشوائية تماماً مثل صفحات الانترنت ، حيث أن النشر في مواقع التواصل لا ضوابط له ، فكل من يريد أن ينشر إشاعةٍ ما ، أو يُلفّق خبراً ما ، فإنه يستطيع فعل ذلك بعيداً عن أية رقابة ، ويحقق ما يريد ، بعيداً عن أخلاقيات وأدبيات المهنة الإعلامية .
آخذين بعين الإعتبار أن أكثر الفصائل العمرية تضرراً من هكذا واقع فوضوي هم الأطفال والنشىء ، حيث أن الفضائيات موجودة في كل بيت وباستطاعتها الوصول إلى كل فرد ، وكذلك مواقع التواصل متوفرة في الهواتف المحمولة ، وهي بدورها متوفرة في يد أطفالنا وشبابنا .
إنه مرضٌ صامتٌ وخطير ، وكل الذين يصرخون ناقدين ورافضين هذه الفوضى إنما تتحوّل صرخاتهم إلى سراب ليس إلاّ ، أمام آلة الجشع الشرير .
وهذا من شأنه أن يؤثّر سلباً على وعي النشىء وفكرهم وتربيتهم ، فهناك أجندات مشبوهة تُمرّر على المنطقة العربية المترامية الأطراف بهدف مسح تقاليدها وثوابتها وأخلاقياتها ، وهذه الأجندات لا تقل خطراً عن أسلحة الدمار الشامل .
إن ما تبثّه بعض الفضائيات هو بمثابة التهديم للبنية الاجتماعية والفكرية والحضارية لشعوب المنطقة .
فالأطفال والمراهقون الشباب والإناث هم في خطر ، فهدف الآخرين هو إبعادهم عن قيمهم وأخلاقهم وثوابتهم الوطنية والقومية ، مقابل ملايين من الدولارات التي تهدف إلى تفسيخ أخلاقيات وبنية المجتمع .
إضافة إلى ذلك أن العنف الذي تبثه بعض الفضائيات يُسهم إلى حدٍ كبير في إنحراف السلوك لدى المشاهدين ، وبالتالي هناك استجابات أو إستعداد لدى البعض من أجل الإنحراف مع التيار .
كما أن هناك صور كثيرة من الفضائيات المشبوهة ترتسم في عقلية المتلقي ، الذي يتولد عنه حب العنف وممارسته .
فالقنوات الهدّامة إنما تستهدف أولاً الأطفال والمراهقين ، وهذا مُخططٌ له وفق تصويب محكم نحوهم لإبعادهم عن أوطانهم وأمتهم التي تُعاني اليوم ما تعانيه من جرحٍ نازف .
حيث أن أذهان الأطفال والمراهقين هي بمثابة مستودع لكلٍ شيء يشاهدونه سواء كان نافعاً أو ضاراً . ونستطيع أن نقول بشكلٍ أو بآخر أن الكثير من الفضائيات ومواقع التواصل أصبحت تحلّ محل الوالدين في تربية أولادهم ، بلّ حلّت محل المدرسة أيضاً .
فمحطات التلفزة لا تتوقف ، والقنوات الفضائية تتسارع وتتوالد ، وأصبحت المادة الإعلامية الموجهة للمجتمع وللأطفال والشباب من أخطر الصناعات الإعلامية في العصر الحالي .
ولا شك ، ومن جانبٍ آخر ، أن هذا التوسع المذهل في تجارة التسلية الموجهة للأطفال يُخفي الكثير من المخاطر والسلبيات ، فهدف الآخرين المأمورين من جهاتٍ أجنبية توجيه التوعية إلى ثقافةٍ غربية بعيداً عن قيم الطفل ، دون أي إهتمام بالقيم والأخلاق والحسّ الإنساني .
حتّى الفن والطرب اليوم لم يعد مرتبطاً لا بالكلمة ولا باللحن ولا بالصوت ، إنما المشهد هو لمنتج فيديو كليب هابط وهذا هو السائد .,
إن الإستعمار الإلكتروني والإعلامي يساهم فعلياً في إحباط وتشويه سلوك شعوب المنطقة وأدبياتها ، وكثيرٌ من ثوابت الأمّة أصبحت مهددة .
بكل تأكيد إن الإعلام يُعتبر من أخطر الوسائل تأثيراً على الشعوب ، وبإستطاعته الوصول إلى كل مكان ولكل فرد ، يستوي في ذلك الغني والفقير ، المتعلّم والأمّي ، والصغير والكبير ، والمثقف والجاهل .
والإعلام لم يعد مجرد لنقل المعلومات والخبر أو الحدث ، بل أصبح يُصيغ الأخبار والمعلومات كما يشاء وفق مصالحه ، كما يسهم فعلياً في تكوين الحياة في أبعادها السياسية والثقافية والفكرية والدينية والتربوية ، لما له من قدرة على التأثير في التوجهات لدى الأفراد والجماعات ، أو تغييرها أو تبديلها .
سلبيات وإيجابيات الفضائيات تكمن وترتبط بطبيعة إستخدامها ، فجميلٌ أن نرى الحسّ والولاء الوطني والقومي والإنساني على شاشات فضائياتنا ، أمّا الفضائيات التي تعمل على إبعاد الفرد عن ثوابته وعن أداء واجباته الوطنية ، فلها شأن آخر . وتوجّهات هكذا فضائيات هو أشد خطراً من إدمان المخدرات ، حيث أنها تقوم ببث وترويج أخلاقيات شاذة ومنحرفة إلى مجتمعاتنا ، وترويج الأنانية وحب الذات وإضعاف الروح الجماعية وقطع الأرحام وبث العداوة والفرقة والحقد والكراهية .
وأمام هكذا واقع لا بدّ من ضرورة الإصلاح فيما يخصّ الإعلام بشكله الواسع المقروء والمسموع والمرئي ،وإستقطاب كل الإعلاميين ذوي الخبرة ، ورفض سياسة الإقصاء أو الإبعاد قي أي مجالٍ من مجالات الحياة وخاصّة فيما يتعلّق بالواقع الإعلامي .
ففوضى الفضائيات التي تُحرّكهاأصابعٌ خارجية شريرة عبر الإعلام المشبوه والمشوّه على هذا النحو ، ينتج عنه تشويه كل الوفائع والأحداث والتوجهات .
فنحن بأمسِ الحاجة إلى صحوةٍ وطنية ، إلى صحوةٍ أخلاقية وإنسنية وثقافية ، وإلى صحوةٍ إعلامية قبل فوات الأوان ، ومن خلال هذه الصحوة نستطيع إعادة بناء الأفراد بما يمكنهم من التصدي لمسؤوليات عصرهم ومستقبلهم ، وتحقيق آمالهم المتجددة وأهدافهم النبيلة ، وبالتالي نستطيع الحفاظ على هويتنا وقيمنا وثوابتنا الوطنية والقومية من الضياع بشكلٍ نهائي .

اترك رد