قصيدة: تجلسُ ثانيةً في المقهى…! شعر: مسلم الطَعَان

منبر العراق الحر:

ثانيةً تجلسُ وَحدَكَ
في المقهى الشعبية
بدشداشتِكَ الزرقاء
كأنَّكَ تناجي بغدادَ
بعدَ غيابٍ طالَ طويلاً.
تَجلسُ ثانيةً في المقهى:
تعيدُ عدَّ ثواني الزمنِ الراحْ
عندَ قدومِكَ صغيرَ السّنِ
مغروراً بغواياتِ العِشرينْ
و كأنَّكَ لا تدري:
بأنَّ الساعاتِ رماحْ
تثقبُ خاصرةَ المنتظرينْ:
قدومَ الستّينْ
و هذا أنتَ العابرُ أعتابَ الستّينْ
تغازلُ حَمامَ الكاظم
بلغزٍ شعريّ
كم أتعبَكَ هذا اللغزُ الشعريُّ كثيراً
لكنَّكَ لن تنسَ ما وصّتكَ بهِ الوالدةُ
إذْ تطلبُ من بابِ الرحمةِ:
طِلبتَكَ الأولى
طِلبتَكَ الوصّتكَ بها أمُكَ دوماً
منذُ نعومةِ حزنِكَ
وبكاءِكَ:
في حَضرَةِ راهبِ أهلِ البيتْ.
تجلسُ ثانيةً في المقهى:
بَعدَ زيارةِ راهبِِ أهلِ البيتِ
و حفيده
تطحنُكَ طواحينُ الأفكارْ
و بألفِ دوارٍ و دَوارْ:
يدورُ برأسِكَ ناعورُ قصيده
إذْ تسقي غرسكَ
في بستانِ الشعرِ:
بماءٍ آخر لا يشبهُ ماءَ الأنهارْ.
تَجلسُ ثانيةً في مقهى شعبية:
تَجلسُ هي الأخرى في سوقٍ شعبية
تتناوَلُ كاهي بغداد
و تَشرَبُ شايّاً عراقيَّ الطعمِ
عملَتهُ يَدٌ بغداديّة
الشايُ البغداديُّ أيضاً لا يشبهُهُ
شايٌ آخَرُ في هذا العالم.
تَجلسُ ثانيةً في مقهى شعبية:
تعيدُ تفاصيلَ الأيّام المنسيَّة
و تكّرُ بأصابعِ حزنِكَ:
مسبحةَ الأيّامِ المنسيَّة
لكنَّكَ رغمَ الوجعِ الجائعِ في جنبيكْ
تبصرُ ضوءاً يعيدُ لعينيكْ:
نَزرْاً من ضوءِ نضارَةِ بغدادْ
رغمَ ظلامِ الأوغادْ:
الأوغادِ المفترعينَ سياجَ العُذريَّة.
لقد تعبت قدماكْ
قدماكَ الما كانت ترتاحُ قليلاً
باتتْ تتوّسَلُ بوَشالةِ حيلٍ
ما عادَ يوّشلُ:
ثُمالةِ شيئٍ في كأسِ حنينٍ مكسورْ
يا مَنْ أثخَنتَ جراحَكَ بسكّينِ الشاعرْ
غادَرَكَ الصَحبُ مكسورَ الخاطرْ
تبكي في داخلِكَ و تولولُ:
آهٍ من تَعَبِ الأقدامْ
و ذبولِ ورودِ الأحلامْ
و جموحِ جراحِ الأيّامْ…!
تجلسُ وَحدَكَ في المقهى:
تتنطّرُ مرورَ قطارِ رؤاكْ
تستّنجُدُ بعرباتِ الذاكرةِ
كي تأخذَكَ بعيداً:
عن قبضةِ زمنٍ مُرٍّ:
إمتصَّ دماءَ شرايينِ قواكْ…!
الجمعة المصادف 19/4/2024

اترك رد