منبر العراق الحر :
الموت، سلطة الخوف التي تهددك، لاشعوريا، بلحظة حقيقة مؤجلة بانتظارك، الموت حين يحاكي اللاوعي خلف حضورك المؤقت، يفرض وقار الصمت الوجل الممزوج برهبة ووجوم كأنها مقتربات لحزنك الخفي، عندما تتلاشى شهية كل شيء بهذه الحياة!
تنتحر الرغبات جميعهن لديك عندما يصلك خبر موت عزيز عليك، فكيف إذا كان موت أبيك أو أمك، كيف إذا كان موت ولدك؟ وماذا يكون الموقف، وأنت تشاهد ولدك، أولادك الموتى في لحظة هزيمة يفرضها طاغوت وحشية السلاح والكائنات البشعة التي تحمله؟
يا حزن الأرض، تعال، ويا دموع السماوات، يا نداءات المراثي، يا حزن التاريخ ومقابر الأرض، استقبلوا هذا النوع الاستثنائي من كبرياء يعلو فوق مضارب أحزان الموت، كبرياء بكلمة واحدة “فشرتوا” !
” فشرتوا” قالتها الأم السورية، وكانت تشتمل على النواح المكتوم لأزمنة الكرامة، حين يغتالها غدر الحياة!
عندما تصبح جثث القتلى مشاهد متداولة في الطرقات، فاعلم أنك وسط وباء السلطة الغاشمة أو عصر “جي كلاس” العواهر!
لا دموع ولا نشيج، لا لطم الصدور ولا ضرب الوجوه أو ترديد مراثي الأولين! لا شيء يعادل الفجيعة في زمن الأراذل، وهم يزينون موائد المساءات بحلوى الموت بعد الإفطار!
*. *. *. ***
صدق الأحزان في معالجة صدمة الموت تهز الجبابرة والعظماء، ما زلت أتذكر حزن ذلك الصبي البصري بعد عام من فقدانه لأمه، أتذكره وأبكي.
” كأنّ طفلاً بات يهذي قبل أن ينامْ:
بأنّ أمّه – التي أفاق منذ عامْ
فلم يجدها، ثمّ حين لجّ في السؤالْ
قالوا له: (بعد غدٍ تعودْ .. )
لا بد أن تعودْ”
ما زلت أسمع نحيب العظيم جلجامش، وهو يجثو أمام موت صديقه أنكيدو، ولم تفارقني أبدا صورة أبي وبكاؤه المرير عندما ماتت أمي، أنا لم أرَ أبي يبكي، تلك كانت أول وآخر مرة بحياتي، وما زال بعضا من نارها في حشاشة قلبي!
أعان الله من يبكي صمتاً، يا لعظمة أحزانه، احذروا، احذروا الحزن الصامت، فإنه يقتل صاحبه سرا.
