موناليزا صحون القيمر….. نعيم عبد مهلهل

منبر العراق الحر :

المعيدية (سنية ماهود ارشيم) تصحو من نومها باكراً؛ في الساعة الرابعة صباحاً حيث ينتظرها ورفيقات لها سائق سيارة الفولكا موديل 1972، السائق الكهل عبد خطار هاشم وقد أجّرنه لينقلهن وبضاعتهن من القيمر والخاثر من بيوتهن في منطقة الكمالية الى ساحة 55 في مدينة الثورة، حيث يخترن مكاناً قريباً من منطقة وقوف باص مصلحة نقل الركاب ورقمه 55 وهو ما سميت الساحة باسمه، وأكثر زبائنهن من عمال مساطر الطين والجنود المكلّفين الذاهبين فجراً الى عرضات التدريب في ثكنة التاجي، ومن بعض الزبائن عمال البلدية والكري في قناة الجيش، وبعض الشباب المبكرين للالتحاق بجامعاتهم، أما الموظفون فلا يشترون من قيمر سنيّة وزميلاتها، بسبب تحذير زوجاتهم لهم، وإرغامهم على تناول الفطور في البيت لأنهن يشعرن أن جمال سنية وسحرها – سنية التي أطلق عليها زبائنها اليوميون لقب موناليزا ساحة 55- ربما يجعل الرجال فاترين إزاء شهقة الليل ودفء الأحضان على وسائد الحب.
وحدها سنيّة كانت تسخر من أصحاب البدلات الرسمية وربطات العنق حين يمرون وهم يرسلون نظراتهم الشهية بأطراف أجفانهم وتقول لهم: ابقوا خائفين من نسائكم. ستظلون والى الأبد في حسرة لضحكة سنيّة وقيمرها.
(سنية والجنود)
حفظت سنية أسماء كل زبائنها من الجنود، وصارت تعرف مواعيد إجازاتهم، والجبهات التي يأتون منها ويذهبون إليها، وحين يتأخر أحدهم عن صحون صباحات قيمرها وقت الالتحاق، تعرف أنه لم يأت مجازاً بسبب معركة ما، وحين يُطيل غيابه، كان ما تفعله فيه الكثير من الغرابة والعجب عندما تتقصى عن مكان بيته بسريّة تامّة، وبغرائبية لا مثيل لها، يأخذها إحساسها أن شيئاً قد حدث لذلك الجندي الذي تعوّد أن يجد المزيد من الحياة في ابتسامات بنات المعدان.
وعندما تستدل على بيته، يفاجئها الجدار بلافتة سوداء تقول إنه الآن أصبح شهيداً!
ما تفعله سنيّة ماهود أرشيم، التي أتت من أب ولد في قرى أهوار حلفاية ميسان، ثم هاجر مع جواميسه الى منطقة الكمالية قبل عشرين عاماً، حين سمع أن أهل بغداد يحبون قيمر المعدان أكثر من قيمر سدة الهندية ، وما تفعله هو أنها تشتعل بلحظات من نحيب خافت ومكتوم، وبهدوء وبعيداً عن عيون المارة تضع صحناً من القيمر تحت اللافتة المعلقة على الجدار ثم تمضي بعيداً.
قد تكون صورة ‏شخص واحد‏

اترك رد