منبر العراق الحر :
يباب
*****
لأنَّني عاقرٌ، قرّر استبدالي بأخرى تنجبُ له الكثير من الأفكارِ الشَّيطانية.
وتركَ لي حرية انتقاء غرفةٍ كي لا ألتحفَ الشَّارع.
اخترتُ غرفةَ الجلوس لأنَّها تكون الأقرب إلى الجميع ولأُحكم مراقبتي جيدًا، مع أنني سأكونُ الخاسرة الوحيدة عندما أراهما معاً.
قال: لا ..
وكانت حجتهُ أنّه يخافُ على مشاعري، وهذا ضرب من الكذب.
صمتُّ قليلًا وقلتُ: إذاً غرفةُ الاستقبالِ، وقبل أن أبرّر لماذا اخترها، قال: لا .. وبالصوت العالي،
وبرّر : سيأتي المهنؤون ويرونك، وأنتِ بغنى عن سماع ثرثراتهم.
أمَّا غرفة النَّوم لم أفكر بها أبداً لأنَّها ستكونُ للأُخرى، وهذا مُحال أن نتناقشَ به.
بقي المطبخ ولم أكد أصل لحرفِ الطاء حتّى اعتلت اللا المكان وتبعها بألف لااااا .
وبدا يرغي بكلام لم أسمع منه حرفاً، كنتُ قد تهتُ في مكان كان يدعى بيتي،
لم يتبقَ سوى الحمام لكن لم أتجرأ على لفظه.
كان الخيارُ الوحيد الخروج، فخرجت من باب البيت دون أيّ ممانعة تذكر. معي فقط ذاكرة لأيام قضيتها مع صاحبِ أكبر لاءاتٍ مرَّ في حياتي !!!!.
القراءة النقدية للقصة:
*****************
– العتبةُ النّصية في العملِ الأدبي تساهمُ في التّعرف على النّص كونها المدخل وهي توازي النّص الأصلي.
“يباب” عنوانٌ اعتمدته الكاتبة كمفتاح لقصتها، واليباب هو الخراب، والخالي الذي لا شيء فيه
واختارته نكرة – كما تبدى لي -لتبتعدَ عن الحصرِ و لتطلقَ فكرتها نحو العام، وفي استخدامها البعيد عن التّعريف تطلقُ الذّهن، وتثيرُ الفضولَ لقراءةِ الآتي من أحداثٍ وردت في سياقِ القصة.
ولا نستطيع إغفالَ الدلالاتِ التّعبيريةِ التي قدّمها هذا العنوان من خلال دلالته اللغوية.
– الحدثُ السّردي: تبدأ القصة مباشرة بجرأة شخصيتها، وربما باستسلامها وضعفها “لأنني عاقر، قرّر استبدالي” معتمدة على المباشرة في نقل الحدثِ من الصّاعد “قرار الاستبدال بزوجة أخرى” إلى الذروة “البحث عن مكان آخر للزوجة الأولى” إلى الحدث الهابط الذي مثل انحلال العقدة ‘ بمغادرة المنزل دون أي ممانعة”.
فكرة هذه القصة فكرة إجتماعية إشكالية تبحث في واقعِ المرأة العربيةِ الذي ما لبث القانون والشّرع يظلمها بلا رحمة، وعلى مرأى من مدعي الإنسانية.
وفي القصة قطبان أحدهما شخصية سلبية شخصية “الزوج” وشخصية الزوجة الإيجابية التي أدركت واقعها تماماً و تصرفت بناء عليه وجعلت الأحداث تمرُّ من خلال سردها.
فلقد قدّمت الكاتبةُ ما أرادته بصيغةِ المتكلم، فكانت أقرب للحدث، وأكثر تأثيراً في توصيفِ الحالة، فرغمَ القهر والتّشظي التي كانت تعيشه الزوجة، استسلمت، وقبلت بالأمر الواقع، واستقبلت الحل على مضض، ولكن الحلّ وإن كان من حيث الظّاهر توافقياً، لكن في مضمونهِ كانَ إقصائياً بإمتياز.
اعتمدت القاصة على الحوار فأضافت أجواءً حركيةً ومرونةً في تقديم الحدثِ، واستطاعت أن توظّفهُ لصالح الغاية والمعنى.
ولم تغفل الكاتبة مصطفى عن المنولوج الداخلي، الذي أرسل مشاعرَ المرأة المهانةِ الممتلئة غيظاً وقهراً، فكان محملاً بدلالاتٍ نفسيةٍ بعيدة الأثر:
“اخترتُ غرفةَ الجلوس لأنَّها تكون الأقرب إلى الجميع ولأُحكم مراقبتي جيدًا، مع أنني سأكونُ الخاسرة الوحيدة عندما أراهما معاً.”
والشخصيتان محوريتان و أساسيتان وساعدا بتوصيل الفكرة بمتعة دون إطالة أو إطناب لا طائل منهما.
اللغة في القصة بسيطة شفافة يومية تلائم ما قدمته كمشكلة إجتماعية، فلم تحفل الكاتبة بالمجاز و التصوير لانشغالها بألم معضلة المرأة العربية.
و لم تحدد زماناً و لا مكاناً فتاريخنا وجغرافيتنا من القديم حتى الوقت الحالي يعبث بإنسانية النساء.
ولعلّها جعلت من هذه الأحداث قضية لا يحاصرها زمن و لا يحدها مكان.
وجهة نظري هذه القصة أكثر من قصة هي واقع و واقع مؤلم يتكررُ في أصقاعِ الوطن العربي دون أي حراك إيجابي.
أخيراً :
شكراً للأديبة لهذه اللفتة الإنسانية وكل الاحترام لأدب يوصّف ويتقصى الأحوال بعين النّقد و التّصويب المباشر أو غير المباشر.
ثناء أحمد