مبادرات الطاقة النظيفة التي تعزز مستقبلنا

منبر العراق الحر :

في العصر الحديث، يُعتبر الانتقال إلى الطاقة النظيفة تحولًا أساسيًا للتقدم الاقتصادي والاجتماعي، وليس مجرد ضرورة بيئية. مع التحديات المتنامية التي تطرحها ظاهرة تغير المناخ وتأثيراتها السلبية، يُعتبر الضغط من أجل استخدام الموارد المتجددة مصدرًا رئيسيًا للأمل والابتكار. وتظهر قوائم الدول العربية الرائدة في مجال الطاقة المتجددة التزامًا قويًا بتحقيق أهداف طموحة بحلول عام 2030، من خلال تنويع مصادر الكهرباء واعتماد التوجه العالمي نحو الطاقة النظيفة لمواجهة التحديات البيئية.
يبذل كل من مصر والمغرب والسعودية والإمارات جهودًا ملموسة في تعزيز مشروعات الطاقة المتجددة، سواءً لتقليل الاعتماد على واردات الوقود أو لتحقيق الاكتفاء الذاتي والاستفادة من الوقود المحلي في التصدير. يستكشف هذا المقال المبادرات المتعددة في مجال الطاقة النظيفة ودورها في تشكيل مستقبل كوكبنا، بالإضافة إلى التكنولوجيا التي تدفع هذا التحول والجهود العالمية لتبني الممارسات المستدامة.
الطاقة الشمسية: تضيء الطريق إلى الأمام
تقف الطاقة الشمسية في طليعة ثورة الطاقة النظيفة. اذ أدت التطورات التكنولوجية في مجال الخلايا الضوئية إلى زيادة كبيرة في الكفاءة وخفض التكاليف، مما جعل الاعتماد على الطاقة الشمسية أكثر إمكانية من أي وقت مضى. تقود دول مثل الصين والولايات المتحدة والهند الطريق في تركيبات الطاقة الشمسية، حيث تشمل المشاريع مزارع الطاقة الشمسية الواسعة إلى الألواح الشمسية المثبتة على أسطح المنازل والمباني. وقد أبرزت وكالة الطاقة الدولية (IEA) الطاقة الشمسية كمصدر الطاقة الأسرع نمواً، ومن المقرر أن تلعب دوراً هاماً في تحقيق الحياد الكربوني.
في الوقت نفسه، تسعى الدول العربية لتعزيز دورها في مجال الطاقة الشمسية، حيث تمتلك إمكانيات هائلة لاستخدام الطاقة الشمسية في توليد الكهرباء وتلبية احتياجاتها الطاقية المتزايدة. على سبيل المثال، قامت المملكة العربية السعودية بتشييد مشاريع ضخمة لتوليد الطاقة الشمسية، مثل مشروع نيوم للطاقة المتجددة. كما تُعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة من الرائدات في مجال الطاقة الشمسية، حيث تمتلك مشاريع كبيرة مثل محطة محمد بن راشد للطاقة الشمسية في دبي.
طاقة الرياح: استغلال النسيم
تعرّف طاقة الرياح على انها استخدام الرياح لتوليد الطاقة الميكانيكية أو الكهربائية، حيث تُعتبر الرياح ظاهرة طبيعية يتفاعل معها البشر يوميًا على سطح الأرض. تطورت طاقة الرياح بشكل متسارع خلال العقد الماضي، حيث أدى تقدم التكنولوجيا إلى استخدام توربينات أطول وشفرات أكبر، مما سمح بتوسيع نطاق استخدام الرياح في مناطق ذات سرعات رياح منخفضة.
في مناطق الشرق الأوسط، توجد مواقع جغرافية مثالية لإقامة محطات عملاقة لتوليد الطاقة بالرياح، حيث تتجاوز سرعة الرياح في بعض المناطق 7 أمتار في الثانية، لا سيما على سواحل المحيط الأطلسي والبحر الأحمر، وخليج السويس المصري، ومناطق الصحراء الكبرى المغربية، ومنطقة صلالة بسلطنة عمان.
على الرغم من التحديات، إلا أن دول المنطقة تتحرك باتجاه استغلال هذه الفرص بشكل متزايد، وتقود مصر والمغرب هذا المجال من خلال تركيب محطات توليد الطاقة الريحية بقدرات متزايدة. كما ويعد التوسع في هذا القطاع خطوة إيجابية نحو تحقيق الاستدامة البيئية وتحقيق الأمن الطاقي، وتعزيز التنمية المستدامة في المنطقة.
 
الطاقة المائية وما وراءها: مصادر متجددة أخرى
رغم أن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح تلقى أكبر قدر من الاهتمام في مجال الطاقة المتجددة، إلا أن مصادر أخرى ما زالت تلعب أدواراً حيوية أيضاً، مثل الطاقة المائية والكتلة الحيوية والطاقة الجيوحرارية. ومن اهم الدول التي تعتمد طاقة المياه والطاقة الجيوحرارية كمصدر للطاقة نذكر آيسلندا وكندا.
اما الدول العربية، فتعتمد ايضاً على هذه المصادر لتلبية احتياجاتها الطاقية وتحقيق الاكتفاء الذاتي للطاقة. على سبيل المثال، تعتبر المملكة المغربية مثالاً بارزاً على استخدام الطاقة المائية، حيث تمتلك العديد من السدود والمحطات الهيدروكهربائية التي تولد الكهرباء، وتساهم هذه المحطات في تلبية جزء كبير من الاحتياجات الطاقية للمملكة.
من جهتها، بدأت دولة الإمارات العربية المتحدة في الاعتماد على الطاقة الكهرومائية، حيث تقع أول محطة لتوليد الكهرباء من هذا النوع في إمارة دبي، بالتحديد في منطقة حتا. بحيث تبلغ قدرة إنتاج هذه المحطة الكهرومائية 250 ميغاوات، وتعتمد بشكل رئيسي على مياه سد حتا، الذي تبلغ سعته التخزينية 1716 مليون غالون.
 
الابتكارات التكنولوجية التي تدفع التغيير
 
حلول تخزين البطاريات
تواجه شبكات الطاقة في العديد من الدول تحديات جديدة ناتجة عن الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح. واحدة من أبرز هذه التحديات هي عدم استقرار إنتاج الطاقة من هذه المصادر، حيث تتأثر بعوامل طبيعية مثل سرعة الرياح وسطوع الشمس.
للتغلب على هذه التحديات، ظهرت حلول تقنية مبتكرة، ومن أبرزها تقنيات تخزين البطاريات المتقدمة. هذه التقنيات تسمح بتخزين الطاقة الزائدة المنتجة في أوقات توفر الشمس والرياح، واستخدامها في الأوقات التي يكون فيها إنتاج الطاقة منخفضًا.
من بين الشركات الرائدة في هذا المجال، تبرز شركة تسلا، التي تعمل على تطوير بطاريات أكثر كفاءة وفعالية من حيث التكلفة. بحيث يتوقع أن تلعب هذه التطورات دورًا حاسمًا في تحسين استقرارية وموثوقية شبكات الطاقة، وتحفز على مزيد من الاعتماد على الطاقة المتجددة في الدول العربية وغيرها من الدول حول العالم.
بالإضافة إلى ذلك، تقوم بعض الدول العربية مثل الإمارات بالاستثمار في برامج بحثية وتطويرية تهدف إلى تطوير تقنيات تخزين الطاقة وزيادة كفاءتها وتحسين اقتصاديتها. يُعتبر معهد الابتكار التكنولوجي في مدينة مصدر في أبوظبي منصة رئيسية لتحقيق هذه الأهداف، حيث يتم توجيه الاستثمارات نحوه لدفع عجلة الابتكار إلى الأمام. يتخصص المعهد في البحوث والدراسات المتعلقة بالطاقة المتجددة والاستدامة، ويضم مركز أبحاث الطاقة المتجددة والاستدامة (RESRC)، الذي يركز بشكل خاص على تطوير وتحسين تقنيات تخزين الطاقة واستخدامها بكفاءة أكبر.
تكنولوجيا الشبكة الذكية
في قلب التحول العالمي نحو مستقبل أكثر استدامة وترابطاً، تقع الشبكات الذكية التي تثور على طريقة إنتاج وتوزيع واستهلاك الطاقة. تعتمد الشبكات الذكية على التقنيات المتقدمة وأنظمة الاتصال ثنائية الاتجاه لإدارة الطاقة بشكل فعال في الوقت الحقيقي، مما يسهم في بناء نظام طاقة مستدام وصديق للبيئة.
تُعرَّف الشبكة الذكية على أنها شبكة متكاملة من الأجهزة وأجهزة الاستشعار والبرمجيات التي تمكن من مراقبة وتحليل وتحكم في توليد وتوزيع واستهلاك الطاقة في الوقت الفعلي. وتعزز الشبكات الذكية كفاءة استخدام الطاقة وتمكين تكامل مصادر الطاقة المتجددة بشكل سلس، مما يسهم في تقليل الطلب الكلي على الطاقة وانبعاثات الكربون. كما وتساهم في إدارة فعالة للانقطاعات وصيانة الشبكة، وتحسين رضا العملاء.
وتظهر دراسات الحالة أثر الشبكات الذكية المحوري في تحسين كفاءة النظم الطاقوية وخفض التكاليف وتعزيز الاستدامة بحيث يعد التعاون بين الأطراف المعنية واستثمارها في البنية التحتية والتكنولوجيات اللازمة أمراً حاسماً للاستفادة الكاملة من فوائد الشبكات الذكية وبناء مستقبل مستدام.
 
الاتفاقيات والسياسات الدولية
اكتسب الانتقال العالمي نحو أنظمة الطاقة المستدامة والنظيفة أهمية بالغة مع مرور الوقت، إذ ازداد التركيز على مواجهة التحديات البيئية وضمان استقرار الطاقة على المدى البعيد. ولعبت الاتفاقيات والسياسات الدولية دورًا حاسمًا في دفع هذه المبادرات قدمًا، حيث قدمت الدعم المالي والتقني والسياسي لتطوير مشاريع الطاقة المتجددة وتعزيز كفاءة الطاقة.
هذه الاتفاقيات والسياسات كانت محورية في تشكيل مسار الانتقال إلى الطاقة النظيفة على مستوى العالم، إذ ساهمت في إنشاء أطر وآليات للتخفيف من تغير المناخ وتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة، وتعزيز الانتقال نحو أنظمة الطاقة المستدامة. يعكس العديد من هذه الاتفاقيات التزام الدول العربية بتطوير الطاقة النظيفة والاستدامة البيئية.
يأتي اتفاق باريس، الذي وقعته 196 دولة، ضمن هذه الاتفاقيات، حيث التزم الموقعون عليه بالحد من انبعاثات الغازات الدفيئة وتقدم التكنولوجيا النظيفة. بالإضافة إلى ذلك، تسلط مبادرات مثل مبادرة الطاقة المتجددة للعالم العربي (AREI) واتفاقية القمة العربية للطاقة النووية والمتجددة الضوء على التعاون الإقليمي في سبيل اعتماد الطاقة المتجددة ومواجهة تغير المناخ.
تُعتبر المؤتمرات والقمم الدولية، مثل مؤتمر الأطرافCOP28، من المنتديات الحاسمة لتقييم التقدم وتحديث الالتزامات، وتعزيز الحوار بشأن التحرك المناخي والمبادرات المتعلقة بالطاقة النظيفة. عُقد مؤتمر الأطرافCOP28 في دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 2023، وكان لحظة محورية للمجتمع الدولي لتقييم التقدم منذ اتفاق باريس وتعزيز الالتزامات التي تتماشى مع أهداف الطاقة المتجددة العالمية.
خلال COP28، كان هناك تركيز قوي على تعزيز التمويل الدولي لمشاريع الطاقة المتجددة، بخاصة في الدول النامية التي تواجه تحديات كبيرة في الانتقال إلى اقتصادات منخفضة الكربون. كما تركزت المناقشات على تعزيز القدرة على التكيف مع التأثيرات المناخية المستقبلية، مع التأكيد على الحاجة إلى بنية تحتية مستدامة ومرونة في الأنظمة البيئية والاجتماعية.
التحديات والطريق إلى المستقبل
بالرغم من التقدم الكبير الذي تم تحقيقه في مجال الطاقة النظيفة، إلا أن الانتقال إلى الطاقة النظيفة لازال يواجه تحديات متعددة ومعقدة. بحيث تشكل الفجوات الاقتصادية الواسعة بين الدول والمقاومة السياسية والقيود التكنولوجية عقبات رئيسية تعيق التبني الواسع للطاقة النظيفة. بالإضافة إلى ذلك، يسفر الانتقال إلى الطاقة النظيفة عن تأثير مباشر على سوق العمل في القطاعات التقليدية للطاقة، مما يتطلب التخطيط السياسي الدقيق وتقديم الدعم الملائم للعمال المتأثرين.
الخاتمة
تلعب الطاقة النظيفة دورًا بارزًا في دعم التنمية المستدامة وتمكين المجتمعات، وتعزيز صمودها الاقتصادي، ومكافحة تغير المناخ. تشكل تلك الأهداف أساس حركة الطاقة النظيفة، وتتطلب منا، من خلال الابتكار المستمر والتعاون الوثيق، التصميم لبناء عالم يقوم على استخدام الطاقة بطريقة مستدامة وفعّالة، بالرغم من تعقيدات الرحلة وتحدياتها الكبيرة. ومع ذلك، فإن الفوائد المتعددة للطاقة النظيفة تعزز من ضرورة اعتمادها وتجعلها الخيار المستقبلي الأكثر وعدًا للبشرية.
المصدر: النهار العربي
د. إلهام الشحيمي

اترك رد