الذكاء والحكمة …. الكاتب الإعلامي : الدكتور أنور ساطع أصفري .

منبر العراق الحر :هناك فرقٌ كبيرٌ بين الحكمة والذكاء بكلِّ تأكيد ، وتبقى الحكمة في المقام الأول ، حيث ليس كلّ ذكيٍّ حكيم ، ولكن كلّ حكيمٍ هو ذكي .
فهناك كثيرٌ من الأذكياء ، ولكنهم لا يُجيدون التصرف في كثيرٍ من المواقف ، حيثُ يفتقدون الحكمة في إتخاذ القرار في موقفٍ ما .
وكثيرون أيضاَ يستخدمون ذكاءهم في عملياتٍ مُشينة ومُخلةٍ للآداب العامة .
الكثير من الأذكياء الذين يفتقدون إلى الحكمة هم غالباً متهوّرون ، ومندفعون ولديهم عادات سيئة .
وسبحانه تعالى قال في كتابه الكريم ” ومنْ يُؤت الحكمة فقد أُوتي خيراً كثيرا ” ، وقال أيضاً ” يُؤتي الحكمة من يشاء ” .
فالحكيم قولاً واحداً هو صبور ، حليم ، متواضع ، عادل ، مُفكّر ، بطيء الإنفعال ، يصمت حينما يستدعي الأمر ذلك ، ليس متعصّباً ، يستمع للآخرين ، مُتّزن وعاقل .
فالخلط بين الذكاء والحكمة لا صواب فيه ، حيثُ بالإمكان أن يكون الفرد ذكياً ، ولكن ليس بالضرورة أن يكون حكيماً .
فالحكماء يُميّزون بين الخطأ والصواب ، ويميلون إلى حلّ المشاكل المُعقّدة أمامهم بشيءٍ من الهدوء والتبصّر ، ويتميّزون بأنهم يُحافظون على هدوئهم في أشد المواقف والأزمات ، ويعتمدون على البدائل المتوفرة من خلال تأمّلهم ومعرفتهم الخاصّة .
فلو تأمّلنا واقعنا العربي على سبيل المثال وليس الحصر ، لرأينا أن هناك بعض الأذكياء هم بمثابة أشرار ، مارسوا التسلّق ، ومن ثُمّ مارسوا القمع والإضطهاد وسلب المال العام ، بهدف الحفاظ على مكاسبهم ومصالحهم وبقائهم ، ونشر السلبيات والفساد في كل مكان .
بينما الحكمة تقتضي الإبتعاد عن محاور الشر والسلبيات ، والإرتباط بكثيرٍ من الإيجابيات ، واكتساب المواقف دوماً نحو الأفضل . والإبتعاد عن المواقف أو القضايا التي تُسبب إرتفاع نسبة الإكتئآب عند الآخرين ، هذا ما أكّده عالم النفس ” إيغور غروسمان ” من جامعة ووترلو في كندا ، وكما قال أيضاً هو وزملاؤه إلى أن مستويات الذكاء ليس بالضرورة أن تعكس في الغالب قدرة الإنسان على تعزيز علاقات جيدة مع الآخرين أو إتخاذ قرارات مناسبة في الحياة اليومية أو المواقف التي تحتاج إلى قرارات صائبة .
البعض يستطيع أن يكون حكيماً في موقفٍ ما ، أي لبعض الوقت وفي ظرفٍ ما ، لكنه يكون أحمقاً في مواقف أخرى ، فهل بإستطاعة الفرد أن يتعلّم فعلاً كيف يكون حكيماً لفترات طويلة ومع مرور الوقت .
الأمر هنا مرتبط بشكلٍ مباشر بالتربية وبسلوكية الفرد والتجربة والخبرة والمعرفة ، وخلفيته الذهنية بكل تأكيد .
فالحكيم يُوازن الأمور بعقلانية بين نتائجها على المدى القصير والمدى البعيد ، وبين المصلحة الشخصية والمصلحة العامة ، ومصالح الآخرين ، مع قدرته على إستخدام البدائل والخيارات المُتاحة ، بهدفِ الوصول إلى رؤية جديدة أفضل ، من خلال النظر إلى الأمور من زوايا مختلفة .
فالفرد القادر على الموازنة بين الأمور على الأرجح أنه يستطيع التمتع بشيءٍ من الحكمة ، كما أن تعقيد الأمور لا ينبغي أن يمنعنا من المحاولة ، فالمحاولة لا تصنع من الفرد أفلاطوناً جديداً ، ولكن بكل تأكيد سيكون أفضل من ذي قبل .
ولكن ما الفائدة فعلاً من إظهار بعض حكمتك إذا كنتَ في الواقع تفتقر إلى الذكاء الكافي للتعبير عن الدراية التي تتمتع بها .
لذلك لا بُدّ من الإستفادةِ من الذكاء بإسلوبٍ حكيمٍ ونبيل ، فهذا سبيلٌ واضحٌ لتكون شخصاً ذكياً وحكيماً .
فإستخدام الذكاء لتشجيع الآخرين ومساعدتهم والأخذ بيدهم شيء ، والحطّ من شأنهم وقهرهم شيء آخر .
ولقد قال ابن رُشد ” الحكمة هي أغلى شيء يمكن أن يمنحه الله للإنسان بعد الإيمان ومكارم الأخلاق ” .
وقال كرّم الله وجهه سيدنا علي بن أبي طالب ” لا تضعوا الحكمة في غير أهلها فتظلموها ، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم ” .
كما قال جيمي هندريكس ” المعرفة تتكلم أمّا الحكمة فتصغي ” .
إن الذكي تنقصه الدقّة في التعبير ، فيخطىء حينما يُعبّر عن قصده ، لفقدانه معلومات عن المدلول الدقيق لكل لفظة . أمّا الإنسان الحكيم يقول بدقّة ما يقصده ، ويقصدُ كلّ ما يقوله .

اترك رد