منبر العراق الحر :
مات صديقي الموسيقار سامي نسيم في دمشق .وكان يحب أن يزف في تلاث ليالٍ ( ليل الرفاعي وليل بغداد وليل دمشق ) ..فكان موت دمشق اغترابا لدمعة سفر وجدت نهايتها هناك بمحطة قدر وسكت وتر العود ..
أعرف سامي نسيم منذ زمن بعيد حيث ينحدر بنا المكان الجنوبي ــ السومري الى ذات الجذور والعشق الموحد لأساطير تلك القيثارات اللائي يحملنها اميرات سومر في معزوفات ليل الاقبية المظلمة في طقوس الموت الجنائزي..وسوية أدركنا منذ أحلام الكتابة لدي وصدى وتر العود لديه أن الموسيقى والشعر وعذوبة ماء الغراف الذي تشربه منه الرفاعي والناصرية معاً من بعض مسببات تعدد الرؤى والمواهب في ارواحنا ..
هو ذهب الى أشد الهواجس نبلاً في غرام الروح ( الموسيقى ) وأنا ذهبت الى الى أشد الهواجس موتاً ( الشعر والقصة ) ثم افترقنا لنلتقي ثانية بعد مرور الف عام قمري في مآدبة غداء أقامها لنا في بيته الفنان والصديق والناطق الاعلامي لوزارة النفط عاصم جهاد ..
وكان الفنان سامي نسيم كما هو يشع بأيماءة الحلم لديه ويمسك ثقافة الموسيقى والمنطق وخفق القلب الطيب..ومع الأستذكار والمنادمة والرؤى اشتغلت أنامل سامي نسيم على اوتار عوده بعزف ارادهُ احتفاءً بالمكان الدافيء الذي وفره لنا الصديق عاصم جهاد في حميمة أن نكون ثانية معا ..وعبر صوته الممتلأ حنيناً وجنوبا ومواويلاً شطرية اعادت لي تخيل الوجوه التي تركتها هناك في محنة الصيف ونبؤات تحسين الوضع الاجتماعي وذكريات الغرام في افياء بساتين فرات يرقص نشوى في حنجرة داخل حسن وحسين نعمة وناصر حكيم وحضيري وجبار ونيسة…
تلك حميمية سامي نسيم الاليفة أضاءت في المكان هذا النبل الموسيقي المحترف وتلك القدرة الروحية على المزج بين الاحساس والارث والقدرة على الصعود المتنامي في تخيل ما تفعله القطعة الموسيقية عندما يمازج بوحها وصداها ما نملكه من استعداد وقدرة على استعادة حالة الفرح والحنين والاسى مع حنين العود واصابع عازفه.
سامي نسيم الذي سنحتفي فيه مع ذاكرة السفر لديه وهو يحرك اوتار عوده امام الجمهور الشرقي والغربي ليكون سفيرا للبلاد التي تملك ريادة اكتشاف المفردة واللحن يتزامن احتفائي به مع مناسبة موسيقية له بحضور الرئيس الفنزولي الراحل هوغو شافير حين بقدرية الصدفة تزامن موت شافيز واحتفائي بسامي نسيم في صفحة كاملة بثقافية صحيفة الحقيقة .
الصورة التي معي الان هي صورة تجمع شافيز بالموسيقار العراقي وعليَّ أن اتخيل اللحظة التي كان فيها الرئيس الفنزويلي يستمع الى عزف الفنان سامي نسيم في لحظة تجتمع فيها الثقافة السومرية برؤى الحس لديها وانهار الدموع والتساؤلات الوجدانية المتعلقة بحلم الانسان الفقير والباحث في شجن العود عن حلم وغرام ومدينة ، وبين الثقافة الامريكية ــ اللاتينية وهي تحمل مزامير ثقافتها الاسبانية والبرتغالية التي حملها كولومبس مع سفنه فيتقابل في وجدان اوتار سامي نسيم ذات الصدى الذي تحمله سفن الغزاة والفاتحين في مقاربة بين اللحظة التي عبر فيها طارق بن زياد الى الاندلس وكولومبس الى امريكا او تلك التي حملتها سفن القصب التي صنعها الرحالة النرويجي هايردال في سبيعينات القرن الماضي وأبحر بها من اهوار سومر الى اوربا.
عندما سمعت الجنوب في اوتار الراحل سامي نسيم .عيناي صنعت سماءً من الدمع والقصائد ، ولكن عندما سمعها شافيز فعينيه لم تصنع سوى مرح التمتع بموسيقى لذيذة آتية من الشرق ..
بين احساسي بموسيقى سامي نسيم وبين أحساس الرئيس الفنزولي الراحل تصنع مناسبة لقاء العازف العراقي برئيس دولة لاتينية لاتحبه امريكا تبقى ذائقة الموسيقى هي الاجدر بقاءً بفضل ذائقتها وخصوصيتها المحلية .ويبقى وتر العود وصديقي سامي نسيم يرسمان دهشة اللحظة والرقي العظيم الذي تحمله الموسيقى في شيوعها الأممي في كل العالم..!
والآن رئيس فنزويلا مات ..وسامي نسيم مات ، ولم تبق سوى روعة تلك اللحظات ونحن في ضيافة الصديق عاصم جهاد وسامي نسيم يرتجل في العود صدى روعته فنصفق له بدموعنا.