“واهبو السعادة”: فلسفة العطاء النبيل ….كتب رياض الفرطوسي

منبر العراق الحر :
قالت الشاعرة الأمريكية إميلي ديكنسون: “إذا استطعت أن تحسن حياة إنسان واحد، أو تخفف ألماً، أو ترشد طائراً إلى عشه، فلن تذهب حياتك سدى.” هذه العبارة تلخص فلسفة عميقة عن قيمة العطاء وتأثيره العميق، ليس فقط على من يستقبله، بل أيضاً على من يمنحه . العطاء ليس مجرد تقديم شيء مادي، بل هو إحساس صادق ينبع من القلب، يتجاوز الكلمات والمظاهر. كما تضيء النجوم بلا إعلان، وكما تمنح الزهور جمالها للعالم في صمت، فإن العطاء النبيل هو ذلك الفعل الذي يتم بإخلاص ودون انتظار أي مقابل. إنه تجسيد للإحسان في أبسط وأصدق صوره . ليس كل الناس بحاجة إلى المال؛ البعض يحتاج إلى كلمة طيبة، لمسة حنان، أو وقت للإصغاء. بل إن الغضب النبيل أحياناً يمكن أن يكون عطاءً، عندما يعبر عن رفض الظلم والدفاع عن الحق . العطاء الحقيقي لا ينفصل عن الحكمة. ليس كل عطاء مفيداً أو مناسباً، تماماً كما أن وضع زهرة فوق ماء آسن قد يبدو جميلاً لكنه بلا فائدة. لذلك، يجب أن يُمنح العطاء حيث تكون الحاجة حقيقية، وحيث يمكن أن يُحدث فرقاً فعلياً . خذ على سبيل المثال العطاء للأبناء: إنه لا يقتصر على تقديم المال أو تأمين الضروريات المادية، بل يشمل تقديم الوقت، الرعاية، والحب. هذه الأفعال تُشكل أعظم أشكال العطاء، وأثرها يبقى أعمق وأطول . أجمل أنواع العطاء هو ذاك الذي ينبع من طبيعة الإنسان، دون تخطيط مسبق أو انتظار شكر. إنه العطاء العفوي، الذي يجد صاحبه متعته في الفعل نفسه وليس في أي مردود قد يأتي بعده . هناك من يتبنون أطفالاً في أماكن نائية، لا لرغبة في الاعتراف أو الشهرة، وإنما فقط إيماناً منهم بأنهم قادرون على تحسين حياة شخص آخر. هؤلاء الأشخاص يعيشون الفرح في العطاء نفسه، بعيداً عن أي مقابل . في عالم مليء بالحروب والفقر والحرمان، يظل الأطفال الفئة الأكثر حاجة للعطاء. ليس فقط الأطفال الذين فقدوا أسرهم أو من يعيشون في مخيمات النزوح، بل حتى أولئك الذين يعيشون مع أسرهم يواجهون أحياناً الفقر والحرمان . إنقاذ طفل واحد من هذا الواقع القاسي يعادل كل الفرح في العالم، لأن الأطفال هم الأمل الذي يبني المستقبل. العطاء للأطفال لا يعني فقط تلبية احتياجاتهم الأساسية، بل يشمل أيضاً منحهم الأمان، الحب، والفرص للنمو. إنه استثمار في الإنسانية وبناء الأجيال القادمة . العطاء هو ما يمنح الحياة نبضها ومعناها. كما يغذي القلب أعضاء الجسد، يغذي العطاء النفوس بالحب والسعادة. من يفقد شخصاً معطاءً يخسر نوراً ودفئاً في حياته . العطاء ليس فعلاً عادياً؛ إنه فلسفة حياة. هو القدرة على زرع السعادة، ولو في أبسط صورها، في حياة الآخرين. هو تحويل العالم إلى مكان أكثر إنسانية ورحمة. فهل يمكننا أن نكون من واهبي السعادة؟ .

اترك رد