منبر العراق الحر :
(1)
أذكر قبل 25 سنة وتحديدا أيام الحصار الامريكي الظالم والغاشم على العراق الذي استمر 13 سنة ومات من جرائه مليون وربع المليون عراقي أنني سألت ضابطا كبيرا في الشرطة العراقية وقلت له”أجبني بصراحة ولست من كُتَّابِ التقارير ولا من المخبرين السر سريين ،وأعدادهم آنذاك أكثر من العاطلين والمتسولين،لماذا رواتبكم هزيلة جدا قياسا بضباط الأمن العام والمخابرات والاستخبارات والحرس الخاص ؟” فقال ما نصه وبما حفر في الذاكرة منذ ذلك الحين “الشرطة في خدمة الشعب وبما أنها كذلك فرواتب ضباطها ومنتسبيها هزيلة …أما بقية من ذكرت من ضباط ومراتب ففي خدمة النظام الحاكم ولذلك رواتبهم عالية !” وأضاف عبارة هي الأخطر على الاطلاق ” ولكي يرتشي الشرطي والموظف حتى يعيش تحت ضغط الراتب الشهري المضحك الذي لايكفيه سوى لأيام معدودة ..وإذا ارتشى هؤلاء ورفضوا تمشية أية معاملة ولا تحريك أية قضية من دون – دهن السير- فسيقتنع المواطن جازما بأن النظام وعلى الدوام هو أقوى منه حتى عندما يسلط عليه أضعف حلقاته ،وأوهن شخوصه وإن كانوا من المظلومين أمثاله ، فمابالك أيها المواطن المغلوب على أمره لو سلط عليك الحاكم أقوى ذئابه ، و أشرس كلابه ، وأحط ضباعه ؟! بمعنى وبالعامية ” إذا موظف كاتله الهبري مثلك لن يمشي معاملتك إلا إذا دفعت له رشوة ، فما بالك في حال كانت معاملتك أمام ضبع من ضباع السلطة الحاكمة ومن حاشيتها ؟!
وبالقياس على ما يجرى في سورية فإن دولة يتسلم ضباطها ومراتبها وموظفوها راتبا ( = 60 دولارا في الشهر لرتبة العقيد والمقدم ..أما الموظف فراتبه = 20 دولارا ) بمعنى أقل بكثير من راتب الرعاية والضمان الاجتماعي في العراق كل ذلك بخلاف الرواتب الفلكية التي يتسلمها ضباط النظام والقصر والحاشية وبقية الحبربش والمقربين لن تصمد أمام أية عاصفة للتغيير ولو لم تكن من وجهة نظرهم نافعة أو وطنية أو مقنعة البتة …وأحيانا حتى لو أدرك بعضهم بأنها رياح عميلة وريح سوداء بالشدائد مثقلة والمفاجآت غير السارة ثقيلة – وهنا الطامة الكبرى – لأن المستبد لم يبق أي خيار ولا بصيص أمل ولا نقطة ضوء في نهاية النفق المظلم أمام المسحوقين والمشردين والمهجرين والنازحين والمظلومين والمغيبين والجائعين قسرا على الإطلاق !
ولتعلم كل الانظمة الشرق أوسطية الحاكمة وجلها لاتختلف قيد أنملة إلا ما رحم ربك عن نظام الأسد ، بأن غياب الخبز والحرية بوجود عشرات السجون والمعتقلات والحصون والقلاع المنيعة ، السرية منها والعلنية المخصصة للشعوب والمشفوعة بتكميم الأفواه ،وتقييد الأيدي ، ومصادرة الحريات ، واطلاق العنان لانتهاكات حقوق الإنسان مع غياب العدالة الاجتماعية في كل زمان ومكان سينتهي لا محالة وبأي نظام حاكم ولو طال أمده الى الهاوية السحيقة تطارده لعنات الأجيال كابرا عن كابر ، ولن تنفعه الشعارات الوطنية الزائفة ، ولن تشفع له الجعجعات الفارغة التي يطلقها بين الحين والآخر لتخدير الجماهير، فلا تلوموا الشعوب الجائعة والمحرومة إذا ما غضبت وصرخت وثارت، ولوموا بدلا من ذلك الطغم الحاكمة إذا ما ظلمت واستبدت واستخفت بحقوق الشعوب وجارت ..نقطة راس سطر .
وأضيف بأن كل ما سيجري بعد رحيل الصنم الزائل سواء أكان هذا الرحيل المرحب به بصنم من أمثاله صائل ،أو بشعب حي مناضل من فوضى عارمة فسببها وبالدرجة الأساس هو الصنم الأول الذي لصق على الكرسي بلا سقف زمني معلوم ،ولا تغيير ملح مطلوب ، ولا تجديد طال انتظاره مرغوب ، ولا صلاح أو إصلاح مندوب ، ولا عدل منتظر بشغف محبوب ، ولا طائل مرتقب ومحسوب ، وعلى الشعوب بأسرها أن تحمل الأصنام الزائلة ،قومية ، راديكالية ، ليبرالية ، دكتاتورية ، براغماتية ، ديماغوجية ، دوغماتية،شوفينية ، ملكية،جمهورية ،ارستقراطية ، بيروقراطية ،أوتوقراطية ، بلوتوقراطية ، كلبتوقراطية ، اشتراكية ، رأسمالية ( أنا لا أعدد تلكم المصطلحات أمام جنابك حتى أفيك عليك ، لا أغاتي ، أنا أتعمد استعراضها وتكرارها على مسامعك على الدوام حتى تقرأ عنها ، حتى تسبر غورها ، حتى تفهم كنهها لأنها سبب مأساتك ومعاناتك” تبعات كل انتهاك وفوضى وسلب ونهب ستجري بعد زوالهم ،صغر ذلك أم كبر ، ولا تلوموا أنفسكم البتة ولا يخدعونكم بالقول” لو كان الصنم الفلاني ما زال حيا أو حاكما لما حدثت الفوضى من بعده أبدا ولما دخل الكيان اللقيط 14 كلم في أراضينا ولما اقتتل الشعب ” لأن دويلات الطغاة والمستبدين والسفلة العميقة هي المحرض والمتورط الأول والأخير بكل فجور وفتنة وتعسف واقتتال وعنف سابق ولاحق ومن الألف الى الياء …وألا لعنة الله على الظالمين في كل وقت وحين ، ولله در الكواكبي الذي وصف الاستبداد وصفا لانظير له فأجاد وأبدع في كتابه ” طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد ” ومنها قوله :
المسْتَبِدّ لا يأمن على بابه إلا من يثق أنَّه أظلم منه للناس، والنتيجة أنَّ وزير المسْتَبِدّ هو وزير المسْتَبِدّ، لا وزير الأمّة ، كما إنَّ المرموقين في عهد الاستبداد لا أخلاق لهم ولا ذمّة…إن خوف المستبد من نقمة رعيته أكثر من خوفهم من بأسه ؛ لأن خوفه ينشأ من علمه بما يستحقه منهم،و خوفهم ناشئ عن جهل؛ خوفه على فقد حياته و سلطانه وكل شئ تحت سماء ملكه، أما خوفهم فعلى لقيمات من النبات و على وطن يألفون غيره في أيام ، وعلى حياة تعيسة فقط “.
وألفت الى أن الأهم في حقبة ما بعد بشار الأسد،وحقبة الأقلية النصيرية التي استمرت في الحكم 54 عاما ،أطلق عليهم المستعمرون الفرنسيون اسم العلوية كبديل مقبول شعبويا عن اسمهم الحقيقي “النصيرية”وأسسوا لهم دولة العلويين بين 1920 – 1936،يؤمنون بتناسخ الأرواح وعقيدة الحلول ولهم عقائد باطنية غريبة عجيبة،وطقوس أقرب الى الديانات الوثنية منها الى الديانات التوحيدية.
أقول إن الأهم حاضرا ومستقبلا هو الحفاظ على ثروات البلاد ومؤسسات الدولة ،تعزيز اللحمة الوطنية والأخوة السورية،عدم الانزلاق الى حروب داخلية بين الطوائف والمكونات المختلفة،عدم الانصياع الى الاملاءات الخارجية،عدم الإنخراط في البرامج و المخططات التقسيمية الدولية والإقليمية المشبوهة،وحذار من الفتن ما ظهر منها وما بطن،لأجل الأطفال الرضع،والشباب الخشع،والشيوخ الركع،والبهائم الرتع .
(2)
موسم تبديل الجلود والأقنعة صحفيا مع تغير موازين القوى على الأرض !
أقول ومن خلال عملي الطويل والمزعج في أروقة الصحافة بكل فروعها وأقسامها فقد شخصت وعلى مدار سنين ظاهرة مقيتة جدا ألا وهي ظاهرة “فاصل وفصل وموسم تبديل الجلود صحفيا “والتي يقع في حبائلها عمدا أو سهوا ، رغبا أو رهبا ،الكثير من الصحفيين اللا عقائديين ولاسيما منهم العرب .
الظاهرة القمئة وباختصار شديد تتمحور حول صحفيين يتحولون بين الفينة والأخرى من معسكر ونظام سياسي الى آخر لظروف سياسية أو مجتمعية أو مادية أو وظيفية قاهرة ،أو ربما كيفية وصولية انتهازية ومزاجية أيضا ،ومثل هذا التحول الكبير والمفاجىء، بل قل الصادم وبالأخص لمتابعي هذا الصحفي أو ذاك يتطلب” فاصلا ”
أشبه ما يكون بالفواصل الإعلانية الطويلة بين المسلسلات والأفلام والبرامج الفضائية ليظهر الصحفي الراديكالي بعد الفاصل وقد لبس أقنعة وارتدى لبوس الليبرالية أو العكس ، ليظهر الصحفي القومي بعد الفاصل بملابس الأممية وبالعكس، وليظهر الصحفي الثوري بملابس الاسئناسية والانبطاحية أو العكس ، ليظهر الصحفي الاشتراكي بأردية الرأسمالية والعكس صحيح، وهكذا دواليك .
وتأسيسا على ما تقدم وإذا ما صعقت يوما بصحفي قد اعتاد على إجراء واعداد و كتابة ” مقالات ، حوارات ، تحقيقات ، أعمدة ، تقارير صحفية…الخ ” في القضايا المهمة التي تتناول أهم الأحداث على الساحتين الدولية والاقليمية وكان لهذا الصحفي وجهة نظر معلنة وواضحة غير حيادية وغير موضوعية من الأحداث وبما جعله يفصح من خلالها عن خلفياته الفكرية وعن متبنياته السياسية وعن هواه وهويته لصالح هذا الطرف أو ذاك ومن ثم وعلى حين غرة ومن دون مقدمات وفي خضم الأحداث الساخنة التي لم تنته بعد ، وإذا بالصحفي ذاته ينشر ويكتب ويبحث وبشدة مغردا خارج سرب الأخبار السياسية المهمة في سيرة الفنانين والفنانات ،الأحياء منهم والاموات ، في تاريخ المصارعة الحرة ، في الدراما والميلودراما ، في كرة القدم واليد والسلة والطائرة ، في رياضة القفز بالزانة ، في صناعة الزلابية والبسبوسة والكنافة والايس كريم ، في الموضة وخياطة الملابس النسائية ، في تفسير الأحلام ، ونحوها من موضوعات وإن كانت تستهوي القراء إلا أنها بعيدة كل البعد عن مجال تخصصه الثقافي والفكري والسياسي وعن سياقاته الموضوعية فاعلم بأن هذا الصحفي يمر بمرحلة تبديل الجلد وما الموضوعات الآنفة التي يكتب فيها بكثرة على غير عادته سوى مراوغة مؤقتة عبارة عن ” فاصل وموسم تبديل الجلود ” لكي ينسى القراء مؤقتا ما كان يكتبه ويفصح عنه تمهيدا لبداية “فصل” جديد من الظهور في معسكر يناقض ويتقاطع كليا مع المعسكر الذي كان يدافع عنه بشراسة ولا يجد حرجا من اعلان انتسابه اليه .
وبعد الفاصل الإعلاني لن تعجب إذا ما هجا هذا الصحفي المتلون، والمتنقل كقرد غابات بين الأغصان الايديولوجية والجماعات والاحزاب والكتل والتحالفات السياسية من كان يمدحهم بالأمس القريب ، ولن تتفاجأ إذا ما هاجم بشراسة قل نظيرها من كان يثني عليهم كل خير ما قبل موسم تبديل الجلود وتغيير الأقنعة .
وأنصح هؤلاء بأن يكفوا عن ذلك الهراء وأن لا تراهنوا على الدوام على الذاكرة السمكية للقراء و لا على كثرة الأحداث المتسارعة التي ينسي بعضها بعضا ، لأن ما يُكتب في مواقع التواصل وينشر على المنصات والمواقع الالكترونية مازال يشهد على النقيض مما يكتبون حاليا .وقد شخصت بعضا منهم على الفيس وكيف يتقلبون وينقلبون 180درجة بحسب تغير ميزان القوى وبعضهم من المتلونين كان يسبح بحمد بعض الانظمة العربية ويمجد بها وكيف صار اليوم يكتب ضدهم لخداع الجمهور وذلك وفقا للمتغيرات الميدانية الكبرى على الأرض والعكس صحيح ..اثبت وأظهر قناعة ومبدأ ثابتا ووجها واحدا ولا تتلون وبالعامية “تظل مثل ماي الحقنة ..صاعد نازل”ولا مثل”كوستر باب المعظم ..رايح جاي” فالحق حق ،والباطل باطل ، ولا داعي للتملق والتزلف و التلون .
(3)
الى أبي كذيلة شقراء وشعر سارح المدعو ترامب ..
الحقيقة أن الشرق الأوسط ليس بحاجة الى جحيم كما تفضلت جنابك عبر “هرائك” الأخير قبل 48 ساعة، فالشرق الأوسط يعيش الجحيم بعينه بسببكم منذ أيام الحرب الباردة،وبالتالي فهو لايحتاج الى جحيم اصطناعي أرضي جديد لأربع سنين عجاف مقبلة بقدر حاجته الى عقل راجح،والى أياد ممدودة،ونوايا حسنة ، وضمائر حية ، وقلوب صادقة،كما أنه بحاجة الى التخلص من الطائفية المقيتة، ومن الصراع القومي اللعين ،ومن الجمود والاستبداد،ومن السايكس بيكوية القطرية الألعن لتستقيم جميع أحواله ….ولا أعلم يقينا إن كنت تعلم شيئا عن معاهدة سايكس بيكو أم لا ؟ فكل المقربين منك يجمعون على أنك وفيما يتعلق بالتاريخ “صفر باليد حصان” وأزعم أنك في الجغرافيا كذلك وأتحداك أن تعرف من دون الاستعانة بمستشاريك أين تقع “مدينة وزان ، كذلك مدينة الجلفة ، ومدينة غريان وغيرها من المدن العربية التاريخية الأصيلة التي كانت موجودة قبل ظهور امريكا بالاف السنين” وبما بات من البديهيات المعلومة بالضرورة لدى شعوب وأمم الكوكب قاطبة !
ختاما الرجاء التخفيف من حدة الجعجعة مع التقليل من حجم المعمعة مشفوعة بتخفيض ضجيج الطركعة ..فأنت سمسار عقارات وصالات قمار وفنادق وحانات ومكاتب رهانات على مسابقات المصارعة والملاكمة وملكات الجمال وكرة القدم الأمريكية، كما أنك مقدم برامج هزلية ،وممثل فاشل،جدك الله”يرجمه”كان أشهر صانع خمور في طول بلاد العم سام وعرضها، وعلاقاتك ب.ا.ل.م.ا.ف.ي.ا الامريكية ولاسيما في نيويورك أشهر من نار على علم .. فخفف الـ خاطر ميلانيه ..تره ملينه ، حتى ثلج بعز الصيف كلينه .أودعناكم أغاتي