منبر العراق الحر :
في عالم السياسة، يُقال إن “إدارة الأزمات أهم من حلها”، وهو ما يعكس الواقع المرير الذي يعيشه العراق اليوم، حيث الأزمات تُدار وتترك لتستمر في إحداث الخراب والتدمير. هذا الخراب ليس فقط سياسياً أو اقتصادياً، بل نفسياً أيضاً، مما يجعل العراق يعيش تحت ضغوط مستمرة تؤدي إلى تآكل مجتمعي بطيء.
البروفسور ماكس مانوارينج، خبير الاستراتيجية العسكرية في كلية الحرب الأمريكية، كشف في محاضرة له عام 2013 أن الحروب التقليدية أصبحت قديمة وأن هناك أسلوباً جديداً يتمثل في “التآكل البطيء”، حيث تُشغل الشعوب بالأزمات اليومية مثل الكهرباء، البطالة، والفساد، بينما تتحكم قوى خارجية في مصير البلاد
كشف مسؤول عراقي كبير عن وجود تسعين جهاز مخابرات دولي يعمل في العراق عبر مكاتب مموهة ومنظمات، إلى جانب وحدات قتالية من دول مثل بريطانيا، وفرنسا، والسعودية، وتركيا، وإمارات، ما جعل العراق ساحة لتجارب سياسية وعسكرية تسببت في مقتل آلاف الضحايا.
التدخلات الدولية لا تتوقف عند هذا الحد، بل تشمل السيطرة على وسائل الاتصالات والملفات المتبادلة داخل العراق، كما اعترف ضابط المخابرات الأمريكي إدوارد سنودن. هذه القوى، التي تشمل دول الجوار وإسرائيل، تتحرك لصالح مصالحها الخاصة وتنتظر اللحظة المناسبة للانقضاض على العراق.
في هذه الفوضى، يتحكم الفساد في جميع المستويات. من الموظفين الذين يتسابقون للحصول على مكاسب شخصية، إلى المسؤولين الذين يظنون أن المناصب التي حصلوا عليها هي نتاج جهودهم، بينما هم في الواقع مجرد أدوات لتمرير مشاريع لا تخدم إلا مصالح قوى خارجية.
الخراب الذي يعيشه العراق ليس عشوائياً، بل هو جزء من خطة مدروسة لتنفيذ الفوضى وتفكيك الدولة. الآن، أصبح من الضروري أن نركز على الحلقات الرئيسية التي تدير هذه الفوضى، قبل أن تبتلعنا “الثقوب السوداء” التي قد تقودنا إلى نهاية مأساوية.
بسبب هذه الأزمات المتراكمة، يعيش العراق اليوم على شفير الحرب الأهلية. عشرون عاماً من الصراعات على المغانم أدت إلى إضاعة الفرص لبناء بلد مستقر. العراق اليوم بلا بنية تحتية حديثة، وشعبه يعاني من الفقر والفوضى، في حين أن دول الجوار تتقدم عليه بخطوات كبيرة.
إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإن العراق قد يواجه حرباً أهلية جديدة، ولكن لا يزال هناك أمل. إذا تخلّى السياسيون عن مصالحهم الشخصية واتبعوا رؤية جديدة، يمكن للعراق أن يعود إلى مسار التنمية والاستقرار، قبل أن يكون الندم بلا فائدة. “تسقط الحرب الأهلية القادمة” لأنها ليست قدراً محتوماً، بل خيار نابع من قرار سياسي.