العبور الكبير والخطير…د.قيس جرجس

منبر العراق الحر :
العبور من ضفة إلى ضفة أن نتبيّن جسر العبور أولا
كيف ذلك؟؟؟
ونحن في حالة صدمة السقوط المفاجئ لنظام دام ما يقارب ستة عقود وهروب قياداته السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية:
مخلفا دمارا لكل مؤسسات الدولة…
وانهيارا لكل البنى الاجتماعية الاقتصادية السياسية وانقسام طائفي تحرسه خنادق الدم من مجازر ومقابر جماعية وأفعال وردات أفعال انتقامية مع تبادل التخوين والاتهام…
وتاركا ورثة من الفصائل المسلحة ذات الطبيعة الدينية والطائفية والعرقية من أكراد ودروز وفصائل إسلامية متشددة مع بقايا مسلحين هاربين تابعين للنظام السابق على القيد الطائفي العلوي…
هذا الواقع الموروث بالمنتصر والمنهزم هو من تداعيات النظام السابق وللواقع شرعية مفروضة لا مهرب منها أو القفز فوقها وهي شرعية المنتصر كائن من كان سواء كنت من المبشرين به أو من المحذرين منه وكل تجارب الانقلابات العسكرية الدموية والثورات الانقلابية في البلد والعالم مارست أنها صاحبة القرار أحبتْ الشعوب ذلك أو لم تحب…
نحن لم نبرح الضفة الأولى بكل تداعياتها وأسمالها وأثمانها الباهظة نتخبط بالآراء والعواطف تحت ركام السقوط وغباره وأقنعته…
سمة المرحلة التي لم تبرح الشهرين من عمرها هي ملاحقة فلول النظام والتلويح بنشاطات وشعارات دينية تعني أسلمة الدولة وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة مع ما رافقها من تسريح لفائض من الموظفين لذنب ارتكبه النظام البائد….
فهناك الندب واللطم والاستعجال والتصيّد والتشييع والاستثمار السياسي مع شيطنة مسبقة للبديل الواقعي وهناك التصفيق والابتهاج والتبشير والتطيير وتقديس البديل وأغلب ذلك من خلفية طائفية…
وهناك انفتاح عربي واقليمي ودولي وشبه اعتراف بالبديل الذي يحاول طمأنة الداخل والخارج بوعود جميلة في بناء دولة لا تهدد وحدة السوريين ولا تهدد مصالح الدول المحيطة…
العبور لا بد له من جسر وبدل أن يكون القرار الأممي الشهير الذي أسقطه منطقيا النظام الهارب كان استلام سلطة الأمر الواقع القرار السياسي لملء الفراغ السياسي نتيجة أن كل ما كان في البلد من مؤسسات مرهونة لوظيفة واحدة هي حماية الأسد من جيش وأجهزة أمنية وأحزاب جبهة بدت كملحقات أمنية واعلامية مهمتها التبخير للأسد حتى اسم البلد تم رهنه للأسد فمن كان مع الأسد ليرحل معه فلم يعد له مهمة ووظيفة أخرى وإن عاد منافقو تلك الملحقات فهم ليرهنوا اسم سوريا للشرع لأنهم كانوا مجرد ديدان في الطوائف والأحزاب لا يهمها سوى مصالحها الخاصة…
هذا الجسر أمر واقع إذن لكن الأهم كيف نعبر:
العبور من ضفة إلى ضفة والضفة الثانية غير معلومة المعالم أمر في غاية الخطورة كمن يتلمس الطريق بخطوات قدميه لأن عينيه معصوبة فالوريث فصائل إسلامية مسلحة موحدة وغير موحدة وبعضها تخص طوائف ومكون كردي…
ليست المعركة الأهم الآن أبدية الشرع أو شرعيته الانتخابية فمن يريد أن يؤبّده من مؤيدين فهذه عادة شعبية موروثة بائدة لا شك ومن يريد أن ينقض شرعيته لأنها ليست منتخبة فهذا أيضا غير متوفر وليس بالإمكان في ظل الفراغ والدمار القائم…
الأولية هي لحل كامل الفصائل المسلحة بأي مقلب كانت وحصر السلاح بيد الدولة تحت مسمى جيش وقوى أمن عام واستكمال الوحدة بانضمام المكون الكردي والدرزي…
واستكمال هذه الخطوة يلزم توصيف وظيفة الجيش الوطنية الموحّدة على عقيدة وطنية لا لبس فيها…
واستكمال هذه الخطوة دونه عقبات خطيرة فبدل فلول النظام السابق سنجد فلولا للفصائل الإسلامية والدرزية والكردية ستتمرد على القرار وتستوجب الملاحقة وهذا أمر في غاية الأهمية للعبور إلى فضاء الدولة واستكمال مؤسساتها الدستورية…
وعلى نجاح وفشل الإدارة الجديدة في هذه المهمة يتوقف مستقبل سوريا…
الشرعية من الفصائل العسكرية والمطعون بها تتوقف على وظيفتها في حصر السلاح بيد الدولة وأداء الدولة العادل تجاه المكونات جميعها…
كما أن الإبقاء على حرية الحراك الثقافي السياسي المفتوح على التطورات هو أولية مهمة وضرورية لاستكمال الخطوات في بناء دستور ومؤسسات الدولة (وإذا حدا زعلان ع أحزاب الجبهة البائدة فصار خلال شهرين مية تيار وحزب ينشط بحرية لصنع مستقبل سوريا)
هناك على الضفة الثانية سوريون يتفيؤون دولا عصرية ونصوصا ونظريات وفلسفات تنويرية يستعجلوننا بالعبور ونحن نرزح تحت أثقال حياتية واقتصادية وسياسية كثيرة ونتلمس العبور بأقدام راجفة نفتقد لدليل عملي ونظري ولا نملك إلا النيّة الحسنة المحفوفة بالشك بمن يتولى الأمر وبعضنا يلتفت إلى الخلف وبعضنا يتربص شرا بالسقوط…
الأهم لمصلحة السوريين أن لا يسقطوا في الاقتتال وهذا رهن بمن يقود المرحلة ببناء دولة وطنية لجميع المواطنين على حياد من الأديان والطوائف كي لا تقع الطوائف فريسة لقوّاد التقسيم والفتن الطائفية…
فالتقسيم عدا عن كونه اعجاز ديمغرافي جغرافي ودونه حروب وتهجير وتصفية فإننا سنكون في دول التقسيم عبيدا لزعماء الطوائف لأنه التقسيم ليس معيارا لتطور الوعي الوطني الإنساني الحضاري بل هو نتيجة لانحطاط ذلك الوعي وردة فعل على الاستبداد الديني والعرقي والسياسي…
أخيرا فيما يخص بيان النصر وبنوده كان من المعتاد أن يذاع ليلة السقوط لكن يبدو أنه انتظر نيل الشرعية المشروطة من الدول المعنية جميعها بالملف السوري ويبدو أنه كان مثار حوار في لقاءات المسؤولين…
يبقى السؤال الملح والقلق هل نعبر بسلام وتجتاز سوريا امتحانها بنجاح في مادتين الأولى اسقاط النظام الأبدي رغم أنها استنفدت فرص الرسوب بها والثانية اسقاط الأسلمة والتقسيم الطائفي العرقي وإقامة نظام وطني سياسي بدون استنفاد فرص الرسوب…

اترك رد