منبر العراق الحر :تُعرف هذه المنطقة البحرية من فارنا باسم منتجع القديسين قسطنطين وهيلانة تيمناً بالقديس الإمبراطور قسطنطين الكبير ووالدته القديسة هيلانة.
مدينة تناغمت فيها زرقة البحر مع وهج الشمس، فتراقصت أمواجها على نغمات الزمن، حاملة بين طياتها أسرار البحارة وحكايات الحضارات الغابرة. إنها فارنا، درة البحر الأسود البلغاري، وثالث أكبر مدن البلاد بعد صوفيا وبلوفديف.
تمتلك المنتجعات السياحية شواطئ خاصة بها
لماذا قسطنطين وهيلانة؟
تُعرف هذه المنطقة البحرية من فارنا باسم منتجع القديسين قسطنطين وهيلانة تيمناً بالقديس الإمبراطور قسطنطين الكبير ووالدته القديسة هيلانة. يُعد القديس قسطنطين شخصية بارزة في التاريخ المسيحي، إذ كان أول إمبراطور روماني يعتنق المسيحية، وساهم في نشرها في الإمبراطورية الرومانية. أما والدته القديسة هيلانة، فهي معروفة بدورها في اكتشاف الصليب المقدس أثناء رحلتها إلى القدس، ما جعلها تحظى بتقدير كبير في التراث المسيحي. يُعتبر المنتجع من أقدم المنتجعات البحرية في بلغاريا وأرقاها، ويرقى تاريخ تأسيسه إلى أوائل القرن العشرين، إذ شُيد حول دير قديم يحمل إسم القديسين قسطنطين وهيلانة. كما يُعتقد أن الدير بُني تكريماً لهما، ما أضفى على تلك البقعة الجميلة من فارنا طابعاً روحياً وتاريخياً مقدساً. وعلى مر الزمن، أصبح اسم القديسين رمزاً لهذا المكان الذي يجمع بين الجمال الطبيعي والسلام الروحي.
كنوز الشفاء!
تتفجر في قلب منتجع القديسين قسطنطين وهيلانة سبعة ينابيع حرارية تحمل في جوفها الشفاء والتجدد. منذ قرون، كانت هذه الينابيع مقصداً للراغبين في الاستشفاء والاسترخاء، إذ تتدفق مياهها المعدنية الدافئة بين أحضان غابات الصنوبر العتيقة، حاملةً معها قوة الطبيعة وعبق النقاء. تتراوح حرارة هذه المياه العلاجية بين 40 و60 درجة مئوية، ما يمنحها تأثيراً فريداً في تنشيط الدورة الدموية، وتحقيق التوازن للجسد، وعلاج العديد من الأمراض، بدءاً من اضطرابات الجهاز الحركي، مروراً بمشاكل الجلد، وصولًا إلى تعزيز المناعة. لكن سر تميز هذه الينابيع لا يكمن فقط في دفئها المريح، بل في تركيبتها الغنية بالمعادن النادرة مثل الكبريت والصوديوم والكالسيوم والمغنيسيوم، ما يجعلها واحدة من أرقى الينابيع العلاجية في أوروبا.
هذا هو الدير الذي منح المنطقة اسمه
قصر المياه الحرارية!
تتناثر أماكن الإقامة على طول شاطئ منتجع القديسين قسطنطين وهيلانة وكأنها لآلئ تتوهج بالفخامة، تتنافس جميعها لتغري الزوار إلى أحضانها. على مقربة من الرمال الذهبية يبرز فندق “إنسانا أكوا هاوس” Ensana Aquahouse كتحفة معمارية حديثة، تأسر الأنظار وتدهش القلوب بفخامتها ورفاهيتها. يمثل هذا الفندق الذي شيد عام 2022 مزيجاً رائعاً بين الذوق المترف والراحة، إذ تمتزج فيه تصاميم الطبيعة بسحر البحر الأزرق وانحناءات الرمال لتخلق بيئة مثالية للاسترخاء والتأمل. في هذا المكان المميز، ينتظركم 11 مسبحاً للمياه الحرارية التي تتدفق من ينابيع المنطقة الغنية بالمعادن. وتتنوع درجات حرارة المياه بين مسبح وآخر، لتتيح لكم تجربة فريدة من الاستجمام والشفاء، حيث يمكن لكل شخص أن يختار المسبح الذي يناسب حاجاته. إن أكثر ما يميز هذا الفندق هو حوض السباحة العلاجي الذي يحمل اسم “حوض علاجي مع صالة ألعاب رياضية تحت الماء”. وفيه يمكنكم الاسترخاء في المياه المعدنية الحارة للتحرر من التوتر النفسي، وإنعاش الخلايا، وزيادة النشاط. كما أن هذا الحوض مناسب تماماً للعلاجات الفيزيائية التي تهدف إلى تخفيف آلام العضلات، ما يجعله ملاذاً مثالياً لمن يسعى إلى الراحة التامة وتجديد الطاقة.
فوائد المياه المعدنية الحرارية!
تعتبر المياه المعدنية الحرارية المستخدمة في “إنسانا أكوا هاوس” مياهاً فائقة الحرارة وغنية بالمعادن مثل هيدروكربونات الصوديوم والكالسيوم والمغنيسيوم والكبريت، ما يجعلها مناسبة لمجموعة متنوعة من التطبيقات العلاجية، إذ تساعد على تحسين صحة الجهاز العصبي، وتقوية العظام والمفاصل، كما تُستخدم في علاج أمراض الروماتيزم وآلام العضلات، إلى جانب مقدرتها على تحسين الدورة الدموية وتخفيف التوتر والضغط النفسي. ولهذه المياه خصائصها المضادة للالتهابات، وتساعد على علاج الحالات الجلدية مثل الأكزيما والصدفية، وتساهم في تنقية البشرة وتجديد الخلايا، لتمنح الزوار إحساساً متجدداً بالنضارة والحيوية. عند استخدام المياه المعدنية للشرب، فإنها تؤثر بشكل إيجابي على الجهاز الهضمي، والكبد والمرارة، والكلى، والجهاز البولي، والأيض. وهناك موانع لاستخدام هذه المياه إذا كنتم تعانون من الأمراض السرطانية، والأمراض المعدية، ومن اضطراب في ضربات القلب، ومن بعض الأمراض في مراحلها الحادة، ومن قصور وظائف الأعضاء والأنظمة، ومن الصرع أيضاً.
هنا يطيب الاسترخاء في هذه المياه الحرارية
إكتشفوا فارنا!
لم تكتمل رحلتي في منتجع القديسين قسطنطين وهيلانة إلا بعد أن أخذتني خطواتي إلى وسط مدينة فارنا، حيث كنت على موعد مع رحلة جديدة في قلب هذه اللؤلؤة البلغارية، إذ كنت أشعر أن كل زاوية وكل شارع تحكي قصة قديمة، وأن كل خطوة تأخذني إلى عالم مليء بالذكريات والتجارب التي تعكس روحها الفريدة. بدأت جولتي بزيارة كاتدرائية صعود العذراء مريم، تلك التحفة المعمارية التي تتحدى الزمن. بأبراجها الذهبية المشرقة، وقبابها البديعة التي تلامس السماء، تبدو الكاتدرائية كأنها تتنفس روحانية المدينة. بنيت هذه الكاتدرائية عام 1886 احتفالاً بتحرر بلغاريا من الحكم العثماني، ورغم مرور السنوات، لا تزال رمزاً حياً للتراث الروحي والثقافي للمدينة. هناك، بين أصوات الأجراس وهمسات المصلين، تتحقق سيمفونية من السلام الداخلي الذي يغمر الزائر ويجعله يشعر بأن الزمن قد توقف ليقف مع نفسه في مكان ينبض بالإيمان والسكينة. تابعت رحلتي لتسحبني خطاي إلى نصب الملك “كالويان” المصنوع من النحاس ويقف شامخاً بارتفاع 8 أمتار. وعلمت أن هذا الحاكم العظيم الذي حكم بين عامي 1196-1207، تمكن من تحقيق الاعتراف الدولي بالدولة البلغارية، بالإضافة إلى انتصاراته العسكرية التي جعلت فارنا جزءاً من مملكة بلغاريا منذ عام 1201. كان نصب “كالويان” يروي بفخر قصص القوة والإرادة، وتاريخ دولةٍ عظيمة صنعت حاضرها من ماضيها البهي.
بينما كنت أتجول في معالم المدينة السياحية العديدة، وأستمع إلى الحكايات التي ترافقني في كل زاوية، كانت الشمس تودع الأفق، وترسل آخر خيوطها الذهبية لتستقر فوق مياه البحر الأسود. كنت على وشك العودة إلى الفندق بعد يوم مليء بالمغامرات والتجارب، ولكن في قلبي شعور عميق بأن فارنا ليست مجرد مدينة، بل هي رحلة عبر الزمن، حيث تتناغم الروح مع التاريخ، والجسد مع جمال الطبيعة، ليعود كل من يزورها وهو يشعر بتجدد في قلبه وعقله.
سجلوا في مفكرتكم!
• تبعد المنطقة المعروفة بمنتجع القديسين قسطنطين وهيلانة مسافة 15 دقيقة بالسيارة عن وسط فارنا. كما تبعد نحو 20 كيلومتراً من مطار فارنا الدولي الذي يستقبل مجموعة من شركات الطيران المتجهة من العالم العربي.
• البلغارية هي لغة البلاد الرسمية، ويتكلم الإنكليزية جميع العاملين في قطاع السياحة والخدمات.
• العملة الرسمية في بلغاريا هي الليف. ويساوي كل 100 ليف بلغاري نحو 51 يورو.
• تشتهر بلغاريا باحتوائها على أكثر من 700 ينبوع للمياه المعدنية منتشرة في كل أرجاء البلاد، لكل منها تركيبتها المعدنية الفريدة وخصائصها العلاجية.
• بإمكانكم الحصول على كل المعلومات المطلوبة بشأن برامج الاستشفاء وكيفية إتمام الحجوزات في أهم فنادق المنتجع من خلال الرابط التالي: https://ensanahotels.com/en/hotels/aquahouse
• يمكنكم الحصول على المزيد من المعلومات عن منتجع القديسين قسطنطين وهيلانة من خلال الرابط التالي: https://en.visitstconstantine.bg
جان-بيار حبيب
المصدر: النهار