فلول الـ”كبتاغون”… هل تهاوت دولة المخدرات مع سقوط الأسد؟

منبر العراق الحر :

ملخص

حاول النظام السوري السابق خلال أعوام طويلة تصوير نفسه محارباً لآفة الـ”كبتاغون”، فعمل على بث أخبار مصادراته “الخلبية” بحسب وصف أحد المصادر المطلعة، بينما كان يعيد هذه الحبوب للسوق.

انهارت إمبراطورية الحبوب المخدرة في سوريا إلى غير رجعة وبصورة مدوية بعد سقوط النظام السابق، وعلى رغم تقصي قوى الأمن العام السوري وعثورها على معامل بإمكانات ضخمة كانت تنتج على نحو منتظم كميات كبيرة من الحبوب المخدرة، ناهيك عن تقليص خطوط التهريب الحدودية، ما زالت أذرع “فلول كبتاغون” تنشط على مثلث الحدود الأردنية- العراقية- السورية على رغم فترة ركود عقب انهيار نظام بشار الأسد الداعم لشبكات تصنيع تلك المادة المخدرة وتهريبها.

النفس الأخير

وحاولت مجموعة من شبكات تهريب المخدرات خلال الأسبوع الأول من مارس (آذار) الجاري عبور الحدود الشمالية للأردن من سوريا لكن قوات حرس الحدود الأردنية اشتبكت معها ومنعتها من العبور، ونتج من ذلك مقتل أربعة مهربين بينما تراجع باقي أفراد المجموعة (غير معروف عددهم) إلى العمق السوري، وأسفرت العملية حينها عن ضبط كميات كبيرة من المواد المخدرة فضلاً عن مصادرة أسلحة المجموعة.

في المقابل كشفت القوى الأمنية في بغداد عن ضبط كميات من الحبوب المخدرة يقدر عددها بـ 1.1 طن من حبوب “كبتاغون” منتصف الشهر الجاري كانت مخبأة في شاحنة دخلت إلى العراق من سوريا عبر تركيا.

وذكر حينها المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقي مقداد ميري في بيان أن الشحنة هي الأكبر على الإطلاق التي يضبطها العراق بعد تعقبها واعتراضها، إذ تلقت بغداد معلومات وصفتها بـ”المهمة” من إدارة مكافحة المخدرات السعودية حول هذه الشحنة.

ووفق المعلومات المتوافرة فإن العراق يعد نقطة عبور لتهريب المخدرات بين آسيا وأوروبا وزادت عمليات التهريب بحسب مراقبين خلال الأعوام الأخيرة.

منظمات إجرامية

في غضون ذلك يشرح المتحدث باسم قسم مكافحة المخدرات في حمص أنور عبدالحي في حديثه إلى “اندبندنت عربية” أن “التعامل مع عصابات تهريب المخدرات يحتاج إلى تقنية ومهارة لأننا نتعامل مع منظمات إجرامية تعمل وفق خطط وأساليب مدروسة وممنهجة، وتتألف من هياكل معقدة وتتبع أساليب متطورة، بخاصة في سوريا حيث عمد النظام السابق إلى إنشاء شبكات عدة لتهريب المخدرات”.

وتابع، “لذلك القضاء على هذه الشبكات ليس أمراً سهلاً، بل يتطلب استراتيجيات متعددة الأبعاد وتعاوناً دولياً ونحن في الإدارة العامة لمكافحة المخدرات منذ اليوم الأول لتحرير سوريا بدأنا العمل ووضعنا الخطط لمكافحة المخدرات وتفكيك الشبكات التي تعمل في تهريبها ورؤيتنا المستقبلية حيال ذلك هي بلد خالٍ من المخدرات والتخلص من هذه الآفة الخطرة محلياً وإقليمياً”.

وكان الأردن الأكثر تضرراً من خطوط التهريب التي كانت تستهدف المرور بأراضيه ومن ثم الوصول إلى دول الخليج العربي، وعانى في ذروة سطوة دولة الـ”كبتاغون” السورية سيلاً من شبكات التهريب ونفذ غارات جوية عدة عام 2023 دمرت عصابات المهربين داخل الأراضي السورية.

أنفاق وطرق معقدة

اليوم وبعد سقوط النظام السابق في سوريا استضافت عمان في التاسع من مارس الجاري اجتماعاً موسعاً ضم دول الجوار لبحث آليات التعاون في مكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات والأسلحة، في وقت أعلنت وزارة الداخلية في دمشق عن ضبط كميات من المواد المخدرة كانت معدة للتهريب باتجاه الأراضي الأردنية في السادس من الشهر الجاري. وأشارت الوزارة عبر حسابها الرسمي في منصة “إكس” إلى ضبط 100 ألف حبة “كبتاغون” على الحدود الأردنية.

في الأثناء استعرض المتحدث باسم قسم مكافحة المخدرات أنور عبدالحي جملة إنجازات تحققت في هذه الصدد من خلال ضبط عشرات المعامل التي كانت تنتج المخدرات، إضافة إلى اعتقال كثير من الأشخاص وتفكيك شبكات كانت مصدر خطر لدول الجوار. وأردف، “ولا نزال نعمل حتى القضاء على كل من يزعزع أمننا وأمن دول الجوار ويهدد سلمنا الأهلي”.

وقال عبدالحي إن عمليات تهريب المخدرات كانت تتم عبر مراحل عدة، بداية من الزراعة ثم التصنيع ثم التصدير ضمن مجموعة من الأساليب والتقنيات التي يستخدمها المهربون لتجاوز الحدود وعبر طرق عدة، بحيث أنشئت شبكة طرق وأنفاق معقدة يستخدمها المهربون لتهريب المخدرات إلى دول الجوار بمساعدة ميليشيات تابعة لـ”حزب الله” اللبناني كانت موجودة في سوريا وتهرب المخدرات عن طريق شاحنات محملة بمواد غذائية أو معدنية، بحسب قوله. ويضيف، “بعد كل عملية تهريب كان النظام يعكف على تغيير خطط التهريب واللجوء إلى تكتيك جديد، حتى إنه كان يستخدم الطائرات المسيّرة لهذا الغرض وكل هذه العمليات كانت تدار من خلال رموز النظام، تحديداً قائد الفرقة الرابعة ماهر الأسد الذي خصص مقومات وإمكانات الفرقة لهذا الغرض الدنيء”.

واتلفت السلطات الجديدة في يناير (كانون الثاني) الماضي نحو 100 مليون حبة “كبتاغون” كانت منتجة في عهد النظام المخلوع الذي حوّل سوريا إلى أكبر دولة في العالم تعتمد على عائدات المخدرات، وأكبر صادرات سوريا وفقاً لبيانات نشرتها وكالة الأنباء الفرنسية عام 2022. وعاشت الدول الحدودية المتاخمة لسوريا، لا سيما الأردن وجيشه في حالة حرب دائمة مع شبكات وعصابات التهريب.

ومع هذا حاول النظام السابق خلال أعوام طويلة تصوير نفسه محارباً لهذه الآفة، فعمل على بث أخبار مصادراته “الخلبية” بحسب وصف أحد المصادر المطلعة، بينما كان يعيد هذه الحبوب للسوق. ويتابع المصدر ذاته أن “هذا ما يفسر أنه لم يقم بإتلاف الكميات التي كان يصادرها أمام وسائل الإعلام بل كان يتحفظ عليها، على عكس قوات رجال حركة الكرامة في السويداء التي أتلفت كميات كبيرة من المخدرات أمام أعين الجميع بعد مصادرتها من المهربين، وكذلك قام جيش سوريا الحرة على الحدود بدور في الحد من عمليات التهريب وملاحقة عصابات المهربين”.

دخل اقتصادي

تفيد تقارير بتحول البلاد إلى دولة “كبتاغون” في زمن الأسد وكانت المخدرات من بين مصادر الدخل الرئيسة للنظام بعدما واجه صعوبات اقتصادية خلال عقد من الصراع المسلح. وتشير دراسة نشرها معهد “نيو لاينز” للأبحاث في واشنطن إلى وصول حجم قيمة سوق الـ”كبتاغون” العالمي لنحو 5.7 مليار دولار بينما قدّر مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية بأن نظام الأسد حصل على متوسط 2.4 مليار دولار سنوياً من هذا الدخل بين عامي 2020 و2022. وتحدث تقرير لمعهد الشرق الأوسط نشر عام 2021 عن ضبط كميات من المادة المخدرة “سورية الصنع” بقيمة ستة مليارات دولار خارج سوريا.

ومع انهيار البنى التحتية لإنتاج المادة يكمل المتابعون والجهات المختصة بمكافحة المخدرات عملهم للإجهاز على ما بقي من شبكات خفية للتهريب أو التصنيع. ولعل هذا التطور انعكس ليس فقط انخفاضاً في الكميات التي كانت تهرب عبر الحدود بل في الترويج للمادة. ويتحدث أدهم من القاطنين في العاصمة دمشق عن “انخفاض ملحوظ في نسبة المتعاطين للحبوب المخدرة”، ويصف العامة المتعاطين بـ”المحبحب” أي المتعاطي للحبوب المخدورة. وكانت هذه الحبوب تؤدي إلى قضايا ومشكلات إجرامية بعدما يصاب صاحبها بـ”الهلوسة” والإدمان.

مصطفى رستم صحافي 

(اندبندنت عربية)​​​​​​​

اترك رد