منبر العراق الحر :
في 17 مايو 2025، ستستضيف العاصمة العراقية بغداد القمة العربية الرابعة والثلاثين، في وقت يشهد فيه العالم العربي أزمات حادة تتطلب حلولًا مبتكرة وتنظيمًا داخليًا قويًا. القمة القادمة في بغداد تحمل بين طياتها آمالًا كبيرة في تحقيق التوحد العربي، لكنها أيضًا تمثل اختبارًا حقيقيًا للمواقف والقرارات التي ستحدد مستقبل التعاون العربي في هذه المرحلة الدقيقة.
العراق في قلب التحولات الإقليمية
يعود العراق إلى الواجهة العربية في وقت بالغ الأهمية. بعد سنوات من الصراعات الداخلية والتهديدات الأمنية، يبدو أن العراق قد بدأ يستعيد شيئًا من استقراره الداخلي. ولكن، وعلى الرغم من هذه الجهود، يبقى التحدي الأكبر هو تحقيق توازن بين القوى الإقليمية الكبرى في المنطقة، بدءًا من إيران التي تشكل عنصرًا مؤثرًا في السياسة العراقية، وصولاً إلى الولايات المتحدة التي تسعى لتوسيع نفوذها في المنطقة.
القمة العربية القادمة هي فرصة للعراق ليُعيد بناء علاقاته مع الدول العربية، محاولًا في الوقت نفسه الحفاظ على توازنه بين هذين الطرفين المتناقضين. تلك العلاقة المتشابكة تُعقّد مهمة بغداد في هذا السياق.
التحديات الإقليمية: منطقة في فوضى مستمرة
يأتي اجتماع القادة العرب في وقت يعصف بالمنطقة العربية العديد من الأزمات المستمرة. من الأزمة الفلسطينية إلى الحروب الأهلية في سوريا واليمن، مرورًا بالتوترات السياسية والاقتصادية التي تهدد استقرار بعض الدول العربية، فإن التحديات التي تواجه القمة القادمة لا تعد ولا تحصى.
هذه القمة يجب أن تكون أكثر من مجرد تجمع للمناقشات الرسمية. يجب أن تخرج بتوصيات وآليات عمل عملية تُساعد في مواجهة تلك التحديات، سواء من خلال التنسيق الأمني أو مشاريع مشتركة تهدف إلى تعزيز الاستقرار الاقتصادي في ظل الأزمات المستمرة.
دور العراق في تحقيق التوازن الإقليمي
بعيدًا عن أزماته الداخلية، يطمح العراق في هذه القمة إلى أن يظهر كمحور أساسي في المنطقة، قادر على ربط الأطراف العربية المتفرقة بآلية تعاون حقيقية تُمكّنها من التصدي للتحديات الأمنية والاقتصادية التي تعصف بالمنطقة. لكن العراق، وفي الوقت ذاته، يسعى للحفاظ على استقلاله السياسي، وعدم الانحياز الكامل إلى أي طرف من الأطراف الإقليمية المتنافسة.
وفي ظل هذه الأوضاع المعقدة، يتعين على العراق أن يوازن بين التمسك بعلاقاته مع إيران، التي تعد لاعبًا رئيسيًا في شؤون المنطقة، وبين تعزيز التعاون مع الدول العربية الكبرى، مثل السعودية ومصر، وكذلك مع الولايات المتحدة.
التحديات الداخلية في العراق: الأزمات الاقتصادية والأمنية
بالإضافة إلى التحديات الإقليمية، يواجه العراق مجموعة من القضايا الداخلية التي تؤثر على استقراره بشكل مباشر. الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها البلد، على رأسها تذبذب أسعار النفط التي تمثل المصدر الأساسي للإيرادات، تضع ضغوطًا كبيرة على الحكومة العراقية.
الفقر، البطالة، والفساد الإداري تشكل أزمات تفتك بالبنية الداخلية للبلاد. فعدم توفر خدمات صحية وتعليمية لائقة، إضافة إلى غياب الشفافية في إدارة الأموال العامة، يؤدي إلى زيادة الاحتقان الاجتماعي، الأمر الذي يجعل استقرار العراق على المحك.
علاوة على ذلك، لا يزال العراق يواجه تهديدات إرهابية من خلايا تنظيم داعش وغيرها من الجماعات المسلحة. في حين أن النجاح في القضاء على التنظيمات الإرهابية قد تم التأكيد عليه، إلا أن التهديدات لا تزال قائمة في بعض المناطق النائية التي يصعب الوصول إليها، ما يعكس الحاجة المستمرة لتطوير القدرات الأمنية والعسكرية.
التأثير الأمريكي في المنطقة بعد زيارة ترامب للسعودية
في مايو 2025، عاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية في زيارة رسمية بهدف تعزيز التعاون الاستراتيجي بين البلدين. هذه الزيارة تأخذ طابعًا خاصًا، حيث إنها تأتي في وقت بالغ الحساسية بالنسبة للعراق، الذي يسعى إلى الحفاظ على علاقاته مع الولايات المتحدة في إطار التنسيق الأمني، خصوصًا فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب.
إلا أن هذا التحرك الأمريكي يعقد الموقف العراقي، الذي يجد نفسه بين تقارب أمريكي-سعودي من جهة، وعلاقات طويلة الأمد مع إيران من جهة أخرى. في هذا السياق، سيكون على العراق إيجاد طريقة للحفاظ على استقراره السياسي دون أن يدخل في أي صراعات مباشرة بين هذين القطبين المتنافسين.
الموقف الإيراني في العراق: النفوذ والتحديات
إيران، التي تمثل أحد أبرز اللاعبين في العراق منذ سقوط النظام السابق، لا تزال تؤثر بشكل كبير في السياسة الداخلية العراقية. تزايد النفوذ الإيراني في العديد من المؤسسات العراقية، لا سيما في فصائل الحشد الشعبي والمليشيات المسلحة، جعل من العلاقة مع طهران معادلة معقدة للغاية بالنسبة لبغداد.
لكن العراق يدرك تمامًا أن الاستمرار في التقارب مع إيران قد يجره إلى صراع مع الدول العربية الداعمة لسياسات الولايات المتحدة في المنطقة. وفي الوقت نفسه، فإن التصعيد ضد إيران قد يعرّض العراق لمزيد من التوترات الداخلية والإقليمية. إن المعادلة التي يسعى العراق لتحقيقها هي الحفاظ على علاقات قوية مع طهران دون التورط في التوترات الكبرى التي قد تؤثر على استقراره.
القمة العربية: الأمل في تضامن جديد
من المنتظر أن تشهد قمة بغداد في مايو 2025 محاولات لإيجاد حلول شاملة للأزمات العربية، على الرغم من وجود تباينات كبيرة بين الدول الأعضاء. وفي الوقت الذي يُتوقع فيه أن تتنازع المصالح السياسية بين القوى الإقليمية، تأمل الشعوب العربية أن تكون هذه القمة نقطة انطلاق لتأسيس قواعد جديدة للتعاون العربي الجماعي، بعيدًا عن الانقسامات السابقة.
القمة ستُظهر ما إذا كانت الدول العربية قادرة على وضع خلافاتها جانبًا والعمل معًا من أجل تحقيق مصلحة المنطقة. هذه القمة ستكون اختبارًا حقيقيًا لقدرة الدول العربية على تجاوز أزماتها الداخلية والخارجية وتحقيق آمال شعوبها في الأمن والتنمية.