منبر العراق الحر :
أثار تنظيم جديد يُطلق على نفسه اسم “سرايا أنصار السنّة” حالة من الرعب في مختلف أنحاء سوريا، لا سيما في الساحل السوري، بسبب توجهه العلني لمحاربة الأقليات الدينية والانتقام منها بحجة كفرها وشركها. كما أثار الذعر بما أعلنه من ممارسات دموية ارتكبها بحق أفراد من أبناء هذه الأقليات، وخصوصاً من الطائفة العلوية.
وعلى الرغم من أن “سرايا أنصار السنّة” أصدر خلال الأسابيع الماضية فتاوى عدّة تُكفّر الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع و”هيئة تحرير الشام” وكل من يقاتل معهما، إلا أنه لا يرى ضرورة للاصطدام العسكري مع الشرع وجماعته في هذه المرحلة، إلا عند الضرورة، لأن الاهتمام – بحسب قوله – يجب أن يكون منصبّاً على الأقليات الدينية ومناطق انتشارها.
ويبدو أن تركيز “سرايا أنصار السنّة” على مناطق الأقليات، وخصوصاً العلويين في ريفي حماة وحمص، لا يعود فقط إلى “محاربة الكفر”، كما تذكر فتاواهم، بل يندرج ضمن خطة تهدف إلى إيجاد موطئ قدم في المناطق الريفية البعيدة عن سيطرة “هيئة تحرير الشام”، استعداداً لمرحلة مقبلة قد تستوجب الدخول في صدام عسكري مع الهيئة، خاصة في ضوء مؤشرات ظهرت مؤخراً في حلب ودير الزور، مثل المداهمات وتفجير سيارة مفخخة قرب أحد مراكز الأمن العام.
كذلك، فإنّ الوجود في ريف حمص يوفّر لـ”سرايا أنصار السنّة” أفضلية جغرافية للوصول إلى الحدود اللبنانية تمهيداً لدخول لبنان، بحسب بيان صادر عن التنظيم أعلن فيه عن الشروع بهذه الخطوة. وعلى الرغم من التشكيك بصحة هذا البيان عند صدوره، أكد أبو الفتح الشامي المسؤول عن القسم الشرعي في التنظيم صحته، قائلاً إنه صادر فعلاً عن جماعته.
ورغم أن التنظيم يتبنى العديد من عقائد ومنهجيات “داعش”، ويستخدم دوراته الشرعية في تدريب عناصره، إلا أن الشامي نفى مبايعة “سرايا أنصار السنّة” لزعيم “داعش”، مؤكداً أن التنظيم لا يتبع له، لكنه ترك الباب موارباً بقوله: “من وافقنا في توحيد خالص وجهاد صادق، فله منا أخوّة الصف”.
وكان تنظيم “داعش” قد دعا، في افتتاحية صحيفة “النبأ” الصادرة يوم الجمعة الماضي، المقاتلين، وخصوصاً الأجانب منهم، إلى الابتعاد عن الشرع وجماعته، متهماً إياهم بالوقوع في “شباك الردّة والكفر”، وطالبهم بالالتحاق بـ”السرايا” المنتشرة في الأرياف، دون أن يسمّيها أو يحدد تبعيتها.
وفي حديثه مع “النهار”، عبّر الشامي عن موقف متشدد تجاه المقاتلين الأجانب الذين يقاتلون مع “هيئة تحرير الشام”، معتبراً أن ما يصدق عليهم هو الآية القرآنية: (كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَإِنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إلى عَذَابِ السَّعِيرِ)، في إشارة إلى الشرع.
وأضاف: “الرأي الشرعي عندنا أن مقاتلي ميليشيا الجولاني من الأجانب يُعاملون كالأقارب، لا يُعذرون ببُعد الديار، ولا يُرفع عنهم وزر الأوزار، فقد تولّوا طاغوتاً مستكبراً، وناصروه سيفاً ومنبراً. فلا جنسية تُنقذهم، ولا نية صالحة تُبرّئهم. فمن ناصر الكفّار صار منهم، ولو جاء من وراء البحار أو تقنّع بقناع الأبرار”.
وفي تمييز واضح بين فئتين من المقاتلين الأجانب، أضاف: “أما المهاجرون الذين لم يُلوّثوا سيوفهم بولاء الجولاني، ولم يركنوا لظلمه، فهؤلاء إن أرادوا مواصلة الجهاد، فالجماعات المجاهدة لا تزال في الساحات، قائمة بالعهود، رافعة للرايات، لم تنسَ الدماء، بل بقيت على الثغر، صامدة في وجه الكفر والغدر”.
وفي أقسى هجوم من نوعه على شخصية الشرع، قال الشامي: “الجولاني لا يُؤتمن، ولا يعرف للوفاء ثمناً، يخدع باسم الأمان، ويغدر تحت لواء البهتان. فإن سلّمته نفسك، سلّمك للسجن واليأس، وإن آويت إليه ظنّاً بالأمان، آويت إلى نار وسجّان”.
وقد طلبت “النهار” التواصل مع أبو عائشة الشامي، المعروف أيضاً بلقب “أبو عائشة خليل”، والذي يُعتقد أن “خليل” هو اسمه الأول الحقيقي، وهو القائد العام لـ”سرايا أنصار السنّة”، لسؤاله عن الأوضاع الميدانية وخطط التنظيم. إلا أن الجواب كان أن التواصل معه “مستحيل في هذه المرحلة بسبب التحديات الأمنية الكبيرة”.
وعُثر أمس الثلاثاء على حائط الكنيسة المطرانية المارونية في مدينة طرطوس، يحمل دعوة لأبناء الديانة المسيحية إلى اعتناق الإسلام أو دفع الجزية، مع عبارات تُبدي رفضاً صريحاً للأديان الأخرى وتأكيداً على بطلانها ومقتطفات، إلى جانب توقيع غير واضح تحت عبارة “بني أمية مرّوا من هنا”.
ولفت المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن “هذه الخطوة التي أقدمت عليها مجموعة مجهولة في مدينة تعدّ من المناطق التي تشتهر بالتنوّع الديني والتعايش بين مختلف الطوائف والمعتقدات، حيث يشكّل احترام حرّية المعتقد أساساً مهمّاً للحياة الاجتماعية، فإن أي تحرّك يهدف إلى فرض عقيدة واحدة أو إقصاء الآخر يفتح الباب أمام ردود فعل قد تتسبّب في توترات اجتماعية، قد تمتد آثارها لتشمل أمن المدينة وأمان سكانها، خصوصاً في ظل الأوضاع المتشابكة التي تمر بها البلاد”.

ودعا المرصد الجهات الأمنية إلى “الوقوف بحزم أمام كل أشكال الخطاب التحريضي، وتفعيل القوانين التي تكفل حماية حرية المعتقد وحق التنوع الديني، حفاظاً على السلم الأهلي ومنع تفجر الأزمات التي تؤثر على الاستقرار المجتمعي”.
المصدر :النهار