كيف تصنع عقولًا تُصفّق للكذب ؟! بقلم : سعد احمد الكبيسي

منبر العراق الحر :
يُعد جوزيف غوبلز، وزير الدعاية النازية في حكومة هتلر، أحد أشهر غاسلي الأدمغة على مرّ التاريخ. كان هتلر مدينًا له بالولاء والطاعة العمياء اللتين حصل عليهما من الألمان، فالوزير المُحنّك، والخطيب المُفوَّه، هو أحد أعمدة النازية وصانعي مجد هتلر.
غوبلز لم يكن يسعى لإقناع الناس بالحقيقة، بل كان يُغيّر الزاوية التي يُنظر منها إلى الواقع. لم يكن يزرع القناعة، بل كان يُحكم إطار الصورة، فيُظهر منها ما يخدم فكرته ويُخفي ما سواه، حتى يرى الجمهور الأمور كما يريد، لا كما هي، لقد مارس هندسة الإدراك، لا مجرّد الخداع اللفظي.
وهو صاحب المقولة الشهيرة: “أعطني إعلامًا بلا ضمير أُعطِك شعبًا من الحمير!”، وهي قاعدة خطيرة تُلخّص كيف يمكن للإعلام أن يتحوّل من ناقلٍ للوقائع إلى صانعٍ للوعي الزائف.
اخترع غوبلز ما يُعرف اليوم بـ”نظرية التأطير”، وهي نظرية تُوهم الشعب بأنه يختار، بينما هو في الحقيقة لا يختار إلا ما تريده له السلطة أن يختاره. فحين تتحكم السلطة في السؤال، فإنها تتحكم ضمنًا في الجواب.
ولشرح هذه النظرية، يضرب خبراء السياسة مثالًا بسيطًا: عندما تزور صديقك ويسألك: هل تشرب الشاي أم القهوة؟ فقد ألغى من ذهنك بقية الخيارات وجعلك تختار ما يناسبه لا ما يناسبك، إنه لم يكذب، بل ضيّق أفق التفكير خلف وهم الحرية.
وهذه النظرية بالذات هي ما اعتمدته الدول الكبرى لاحقًا. بعد أحداث ١١ سبتمبر، خرج جورج بوش ليقول للعالم: “إما أن تكونوا معنا أو مع الإرهاب!”، رغم أن الإرهاب نفسه لم يُعرَّف بدقة حتى اليوم، لقد تم احتكار صياغة السؤال، فصار كل من تُحاربه أميركا إرهابيًّا، وتُمنَع حتى مساحة الحياد الرمادية، من لا يوافق، يُصنَّف ضدًّا.
ومن اقوال غوبلز أيضًا:
( كلما كبرت الكذبة، سهل تصديقها)!
( اكذب حتى يُصدّقك الآخرون )
فالمعركة في الدعاية ليست بين الصدق والكذب فقط، بل بين من يملك المنصة، ومن يُجبر على الاستماع.
تجدر الإشارة إلى أن “غوبلز” انتحر عام ١٩٤٥م في ظروف غامضة، لكن أثره في صناعة العقول ظل حاضرًا في كل منابر الدعاية حول العالم.
الخلاصة:
إن تجربة غوبلز لا تنتمي فقط إلى صفحات التاريخ، بل تتسلّل اليوم إلى وسائل الإعلام الحديثة، ومنصّات التواصل، وبيانات الساسة، وخطب الزعماء، فالتأطير لا يزال يُمارَس بأدوات أكثر نعومة واحترافًا، والحقائق تُنتقى وتُعاد صياغتها لتخدم أجندات خفية.
لهذا، فإن أعظم مقاومة للدعاية ليست الصراخ في وجهها، بل امتلاك الوعي النقدي، والقدرة على طرح الأسئلة خارج الإطار المرسوم. فحرية التفكير لا تبدأ بالجواب، بل بالسؤال.
وسلامتكم
جمعة طيبة مباركة

اترك رد