منبر العراق الحر :
حقّق مسلسل الرعب “الغرفة 207” الذي عرض أخيراً على منصة “شاهد” نجاحاً ملحوظاً وتفاعلاً جماهيرياً مع أحداثه، ظهر جلياً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهو عن قصة الروائي الراحل أحمد خالد توفيق، وإخراج محمد بكير، وكتابة تامر إبراهيم، وبطولة محمد فراج، ريهام عبد الغفور، ناردين فرج، مراد مكرم، كامل الباشا، يوسف عثمان، المسلسل من “أعمال شاهد الأصلية” وإنتاج “استوديوات إم بي سي”.
تدور أحداثه عبر عشر حلقات في فترة الستينات من القرن الماضي، حول الغرفة رقم 207 في فندق لونا بمطروح (شمال مصر) حيث يبدأ جمال (محمد فراج) عمله الجديد كموظف استقبال في الفندق. ولاحقاً تبدأ أحداث مريبة بالظهور في حياة نزلاء الغرفة، فيما يجد جمال نفسه منخرطاً في كشف حقيقة ما يجري في ظل الإشاعات التي يسمعها عن تلك الغرفة الغامضة.
خرج مسلسل “الغرفة 207” عملاً مميزاً على مستوى دراما الرعب، وحقق نجاحاً لافتاً بخاصة بين فئات الشباب وهو ما أوضحه تفاعلهم الشديد، حتى أنهم أسسوا مجموعات على موقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك” تحمل اسم المسلسل، ضمت الآلاف يتناقشون حوله وينتظرون الحلقة المقبلة ويتوقعون أحداثها نظراً لعرض حلقة واحدة أسبوعياً.
النجاح يكمن في الاهتمام بالتفاصيل
اهتم العمل بكثير من التفاصيل وبينها الملابس التي تتوافق مع الحقبة الزمنية التي يدور فيها المسلسل، ودار الحوار في كثير من المشاهد باللغة الإيطالية، بحكم أن بعض الأبطال يفترض أنهم من الإيطاليين، ورغم كونهم فنانيين مصريين لكنهم أجادوا التحدث بالإيطالية بتمكن بالغ، كما لو أن الإيطالية هي لغتهم الأصلية وخصوصاً الفنانيين مراد مكرم ونبيل عيسى، إذ أجاد مكرم دور الخواجة الإيطالي باقتدار، فيما قدم عيسى دور الضابط الإيطالي ألفريدو بشكل مميز حاز معه إعجاب المشاهدين الذين أثنوا على أدائه.
ظهرت بطلة العمل ريهام عبدالغفور بشخصية جديدة لم يسبق أن قدمتها، فهذه هي المرة الأولى لها من حيث مشاركتها في أعمال الرعب والماورائيات، كما شهد المسلسل حضوراً مميزاً لعدد من الفنانيين العرب وبينهم الفلسطيني القدير كامل الباشا في دور عم مينا، الذي أدى ببراعة دور مدير حسابات الفندق الطيب والغامض في آن، وحاز إشادة الجمهور المصري، وكذلك الفنان السوداني محمود السراج الذي لعب دور طبيب غامض.
الى جانب ظهور مميز للفنان السعودي محسن منصور، الذي لفت الأنظار بظهوره في آخر حلقات المسلسل. ومنصور هو أحد أبطال مسلسل الرعب “وادي الجن”، حيث ربط مؤلف “الغرفة 207” بين العملين، وهو ما قد يتضح إذا تم عمل جزء ثانٍ للعمل. إذ ترك صناع المسلسل الباب مفتوحاً لجزء ثانٍ عبر نهاية مفتوحة مشوقة لم توضح كل التساؤلات، ويبدو أنه سيكون هناك جزء ثانٍ استغلالاً لنجاح الجزء الأول.
يضم العمل مكونات النجاح من حيث الكتابة وحتى التصوير والموسيقى واختيار الأبطال والاهتمام بأدق التفاصيل، حيث لعب عنصر الديكور والصوت والموسيقى التصويرية دوراً مهماً من حيث إثارة الرعب والتشويق.
دراما الرعب بين الماضي والحاضر
طوال عقود كان الرعب غائباً عن الدراما العربية، لأسباب إنتاجية تتعلق بالتكاليف أو الاعتقاد خطأ بابتعاد الجمهور العربي عن هذا النوع، كما لم يهتم صناع الأعمال العربية بإنتاجها لأنها تعتبر مغامرة غير مضمونة النجاح وتحتاج إمكانات وميزانية ضخمة وتتطلب مؤثرات سمعية وبصرية وتقنيات متطورة، لذا ففرص نجاحها ضئيلة إذا لم تتوافر لها الإمكانات الملائمة.
خلال الفترة الأخيرة، شهدت مسلسلات الرعب حضوراً متصاعداً في الدراما العربية خصوصاً على منصات المشاهدة الرقمية، التي اتجهت لانتاجها خلال السنوات الأخيرة، ولعل ما يميز هذه الأعمال هي الجودة الملحوظة على مستوى القصة والحبكة والتصوير والمؤثرات، ما مكنها من تحقيق جماهيرية خصوصاً بين فئات الشباب.
كما أنّها تتفوق على أعمال سابقة إذا تمت مقارنتها بأعمال الرعب العربية في الماضي، والتي اتسمت بضعف القصة والتصوير فكانت تخرج بصورة هزلية لتتحول من إثارة الرعب إلى الضحك والسخرية، عبر أحداث غير منطقية، والاعتماد على الأداء الصارخ للممثلين بتعبيرات الوجه والجسد المبالغ فيها، ربما تكون مثل هذه الأعمال مقبولة آنذاك للجمهور في سياق إمكانات عصرها ولغياب التقنيات المتطورة آنذاك، لكنها تثير السخرية عند مشاهدتها في الوقت الراهن.
واللافت أن غالبية أعمال الرعب سواء القديمة منها أو الحديثة تميل إلى الاستقاء من الحكايات والموروثات الشعبية التي تتعلق بالغيبيات والشياطين والجن والسحر الأسود والبيوت المسكونة والمس والأرواح الشريرة وهي أنماط تتماشى مع ذائقة الجمهور العربي الذي تجذبه حكايات الرعب المتوارثة عبر الأجيال.
منصات المشاهدة الرقمية
لا شك في أن اتجاه المنصات للرعب هو أمر محمود، إذ يجعلها قادرة على إنتاج أنماط جديدة جاذبة من المسلسلات، بعيداً من المحتوى الاجتماعي المتكرر الذي يطغى على الدراما العربية، وساهم توفير الإمكانات التقنية والإنتاجية واختيار فريق عمل ملائم في نجاحها.
لعل أهم ما يميز عرض هذا النمط على المنصات الرقمية أنها ذات عدد حلقات قليلة لا يتجاوز عشر حلقات من دون مط وتطويل، فلا يتسلل الملل للمشاهد، وهو ما يتناسب مع إيقاع العصر من سرعة ويسير على نفس نهج المنصات العالمية ما يجعلها جذابة ويقبل الجمهور على مشاهدتها.
كما اتجهت المنصات العالمية لصناعة أعمال رعب عربية خالصة تستفيد من توافر الإمكانات المادية والإنتاجية والتطورات التكنولوجية، فشهدت دراما الرعب ازدهاراً خلال السنوات القليلة الماضية، إذ قامت منصة “فيو” بإنتاج مسلسل “وادي الجن”، والذي تقوم ببطولته مجموعة من الشباب، وتدور أحداثه في رحلة استكشاف لأحد الكهوف في الصحراء، يجبر أربعة شباب على دخول عالم سفلي تسيطر عليه قوى شريرة فيحاولون الهرب والنجاة بحياتهم.
كما انتجت نفس المنصة مسلسل “زودياك” عام 2019. والمأخوذ عن رواية “حظك اليوم” لأحمد خالد توفيق، وتدور أحداثه في قالب من اﻹثارة والتشويق، حيث تقع مجموعة من الشباب ضحية للعنة فرعونية قديمة تقتل من يتعرض لها بحسب برجه الفلكي.
فيما أولت منصة “نتفليكس” اهتماماً كبيراً بالرعب في أول إنتاجاتها العربية، عبر المسلسل الأردني “جن”، العام 2019، تدور أحداثه خلال رحلة مدرسية مروعة، يُطلق العنان لسلسلة من الظواهر الخارقة، والتي تتعرض خلالها فتاة برفقة أصدقائها لمطاردة من جن يسعى للسيطرة على أجسادهم وأرواحهم.
وكان مسلسلها المصري الأول ينتمي أيضاً إلى أعمال الرعب عبر مسلسل “ما وراء الطبيعة” العام 2020، والمستوحى من سلسلة روايات شهيرة للكاتب الراحل أحمد خالد توفيق، وهي سلسلة تحظى باهتمام الشباب المصري، إذ استغلت المنصة العالمية شعبية هذه السلسلة وكاتبها بين جمهور الشباب.
تعتبر منصة “شاهد” من المنصّات العربية الرائدة في تبني إنتاج وعرض أعمال الرعب، وهي أعمال اتسمت بالجودة وحققت نجاحاً ملحوظاً، إذ يُحسب لها الاتجاه إلى إنتاج هذه النوعية كونها المنصة العربية التي اتجهت لذلك، حيث تستهدف مجموعة “إم بي سي” صناعة أعمال رعب عربية أكثر نضجاً بعيداً من الأعمال النمطية، خصوصاً مع انتشار نوع واحد من الأعمال التلفزيونية هي الدراما الاجتماعية من دون تنويع.
ويعد مسلسل “الغرفة 207” من بين عدة أعمال عربية أصلية من منطقة الشرق الأوسط انتجتها وأطلقتها منصة شاهد، فلم يكن “الغرفة 207” هو عمل الرعب الأول لمنصة “شاهد” فقد سبقه المسلسل اللبناني “الزيارة”، المأخوذ عن أحداث حقيقية، وتقوم ببطولته دينا الشربيني، واللبنانيون تقلا شمعون، كارول عبود، يلي متري، عبدو شاهين، سيرينا الشامي، وتدور أحداثه حول مس الجن والأرواح الشريرة والأحداث الخارقة واللعنة التي تطارد إحدى العائلات، وهناك أيضاً مسلسل “البيت بيتي” من بطولة كريم محمود عبدالعزيز ومصطفى خاطر، وتدور أحداثه حول أحد القصور المسكونة لكن أحداثه تدور في إطار من الكوميديا الممزوجة بمشاهد مرعبة، كل هذه الأعمال حققت نجاحاً وصدى واسع لدى الجمهور.
لا ريب في أن المشوار ما زال طويلاً في التوسع في صناعة دراما الرعب العربية، لكن من المؤكد أنها تنافس بقوة، وينتظرها مستقبل قوي في سوق الدراما.