من نصوص نثرية ( هي في المشهد الاخير )…غادة اليوسف

منبر العراق الحر :

صارت البلادُ صرّةًً
محشوّةً بذاكرة البيت
ثقيلة
على رأس امرأةٍ
انحنت قامتها الفارعة
وتَجعّدَ صباها
في هجير الهروب من موتٍ إلى موت..
تتأرجح حافيةً في رحيلها الدمويّ
فوق غربال الحروب
تهزّه يدٌ من المشرق
يدُ من المغرب ..
تباعاً..
يتساقط أطفالها
ليحتموا في أوكار الثعابين ..
صرّتُها ..
تتكوّم فوق آخرهم
وتنفلشُ عن عريٍ عالمٍ
قبيح
شاهدة على قبر الانسان
البلاد صرّةٍ ..
انفلشتْ..
تناثرت..
في مدى جرحٍ كوني
على …
مساحة الضمير ..
البلاد..
امرأة..
حافيةٌ
تركض ..
ظمأى..
بين رمادٍ وحريق
صوب النهر..
يترجرج ماؤه
مثقلاً بالزهر…الميت…
وحطب الأشلاء البشرية ..
تنادي أشلاءهم ..
لتسقيهم ..
مارشح ..
من جثث ..
غابرةٍ ..
حاضرة ..
” حتى أنتَ يااااااا
نهرُ؟؟!! ”
ويؤرجحها غربال التيه ..
رصاصٌ ..
من المشرق ..
رصاصٌ ..
من المغرب ..
من الشمال
من الجنوب
من السماء ..الخائنة..
والأرض تميدُ ..
يبتعدُ الرصاص ..ويدنو صمتٌ خبيث ..
هدنة ؟؟
تحلُ ضفائرها المبيضّة قبل الأوان..
وتحت كلّ شعرة ٍبيضاء
تهجع لحظة فقدٍ
ودمعةُ ابن تناثرَ فوق رمال الجنون..
وصرخة رعب..
“يا أمّي”..
لا وقت لديها لتسأل :
“أين فرّت القبرات ؟”
ولا إلى أين لجأ الأقحوان؟؟
ولا لتنتظر تعزية السنونو
ولا لتكشّ الغربان عن أعشاش أقفرت ..
ليس لديها وقتٌ
لتستطيع أن ترى..
ماذا يحدث
هناك..
لم يعد لديها سوى
مما قد لا يكفيها من عمرٍ
لتحصي على بعد خطوةٍ من موتٍ
مَنْ بقي من أولادها..
بعيدة عن عتاب من قال :
“انتظرينا.. وسنأتي “…
ولم يأتِ ……
يضيق الوقت المخصص لحياةٍ مرتجلةٍ…
لتسأل بترفٍ:
هل هذه بلادي؟؟!!
لم تعد مبللة بالدمع الذي جفّ على القبور الأخيرة
المتناثرة فيما قطعت من دروب ..
في كل خطوة
تزرع قبراً
تستافه الريحُ ..
وهي تمضي….
من موت ٍ..
لتدخل في ..
موت…
تبحث
عن وطنٍ
لا يصلح للموت ..
صمتٌ ..خبيث ..
تسندُ رأسها على حجرٍ
لتخلد إلى حلمٍ
بسقفٍ..
جدار..
وأطفال يزقزقون
كالأطفال..
يشدّون ثوبها بأيدٍ
كاملةٍ
يتحلقون حول عجين الصباح
وحلم الأرغفة
وجرّة ماء
غير ممزوج
بالدماء ..
يرتطم رأسها بأرض قاسية ..
يئنّ..
إذ يتفتت الحجر ..
مقطوعةَ الرجاءِ..
مخذولةَ النداء..
صمتتْ..
وهي تلفظ قلبَها..
وتُشَيّعُ البلاد..
تسند روحها على حطامها
وتصرخ بصمت يملأ البريّة ..
كإلهٍ ..
شيّعَ رسالاته في الجهات..
كإله يحاصره الفضاء ..
والبلاد صرّةٌ
على رأس امرأةٍ
أنا المتشبثة بحياة ميّتةٍ
المنطحنة بين رصاصتين
المستنجدة بالقصيدة أسمع لهاثي ..
لهاثها..
فكيف لي أن لا أتفتت؟؟
…………

اترك رد