منبر العراق الحر :
الديمقراطية لا تعتبر نظاما سياسيا فقط، بل فلسفة ارتقاء بالمجتمع والمواطن، فهي تتيح للمواطن أن يشترك بالحكم، أو ينتخب من يمثله في سلطة التشريع والرقابة على الحكم، كما تمنح حقوق متساوية للمواطنين، وترتقي بهم لفكرة مجتمعية أعلى وأسمى في التطور التاريخي للمجتمعات، ونعني بها المواطنة التي تذوب فيها الفوارق الطبقية والعنصرية والمذهبية والمناطقية، والجميع يخضع لسلطة القانون بلا تمييز ديني أو عرقي.
أصحاب الأحزاب والسلطة والأموال في التجربة العراقية وخلال 23 سنة، وست دورات انتخابية، ارتكبوا مخالفات (رجعية) تنسف الديمقراطية من أسيها وشروطها وقواعد عملها، وذلك باعتماد السلطات، وهي تخوض العملية الانتخابية، على شيوخ العشائر ورجال الدين، فاتخذوا من الشيوخ مكسباً يُعادل بصفقات مال وسلاح، أو وظائف وامتيازات لهم ولذويهم، مقابل أن يأتي شيخ العشيرة بأتباعه لانتخاب صاحب السلطة أو المال، كذلك وظيفة رجال الدين، فهي تملك تأثيراً على رأي الدهماء والبسطاء والأميين من الناس!
الشيء الذي لفت انتباهي أن خارطة توزع العشائر في مدن الفرات الأوسط والجنوب، قد توزعت على أصحاب السلطة والمال والنفوذ، كما أخضعت مدن الغربية الأنبار وصلاح الدين والموصل على هذا التقسيم، ويعزز ذلك انتماء صاحب السلطة والمال لهذه العشيرة، ما يجعل مصطلح “ديمقراطية” القبيلة يتطفل على المفاهيم السياسية العبثية التي تضيفها التجربة العراقية كخلاصة هزلية لفسادها السياسي.
لم يرشح نائب أو وزير أو رئيس إلا وتجده يجلس في مؤتمره الانتخابي بين الأخدودين شيخ العشيرة ورجل الدين!
أما الحديث عن برامج اقتصادية وثقافة مجتمعية ومشاريع لتطوير مسار الديمقراطية؟ أو استثمار الموارد البشرية والمالية في خطط واستراتيجيات بناء الدولة وتطوير قدراتها، يتكفل بها المهوال في أهازيج وأشعار بالتمجيد والتعظيم لشخصية المرشح في جمل يكررونها مع الجميع، وتنتهي بالوليمة وتوزيع “المقسوم”!
هنا يكون موعد الانتخابات العراقية موسما لعمل الشيوخ، وخصوصا شيوخ التسعينات والأكثر حداثة، ورجال الدين من ذوي العمامات السوداء والبيضاء، والمهاويل الذين يرسمون طريق المجد للمرشح حين يزدحم برأسه الإطراء والتعظيم، ويغذي نرجسيته البائسة
منبر العراق الحر منبر العراق الحر