موائد كبرى إِلى وليمة الفن…هنري زغيب

منبر العراق الحر :

عن سقراط قولُهُ: “يجب أَن نأْكل لنعيش لا أَن نعيش لنأْكل”. مع أَن زوجته كزانتيبي لم تكن من هذا الرأْي، وتُؤْثَر عنها شراهتُها حتى كأَنها تعيش كي تأْكل حتى أَمست سمينة بشكل قبيح.

 وبما أَننا مررنا في الأَسابيع الأَخيرة بفترة أَعياد تخلَّلَتْها ولائمُ وموائدُ يومية كثيرة زالت اليوم بإِيقاعها اليومي المضخَّم مع انقضاء الأَعياد، فهي ذي في هذا المقال ولائمُ وموائدُ لا تنقضي لأَنها خالدة بخلود صانعيها وهم الفنانون الخالدون بلوحاتهم الخالدة.

فمن هم أَبرز من رسَموا الموائد في مسيرتهم الفنية؟

بوتيتْشلي: “الوليمة في غابة الصنوبر” (1483)

وضع الإِيطالي ساندرو بوتيتشِلّي (1445-1510) هذه اللوحة مستوحيًا قصةً للكاتب الإِيطالي من عصر النهضة جيوفاني بوكاتشيو (1313-1375) في كتابه “الأَيام العشرة” (وضعه بين 1349و 1353) وفيه 100 قصة قصيرة بينها الثامنة بعنوان “الجحيم للعشاق البؤَساء” عن العاشق ناستادجيو وحبِّه المكسور. وهو كان يومًا يمشي في الغابة حزينًا فإِذا به أَمام مشهد مُريب: فتاة ترفض عشيقها وهو يتبعها، فقرر أن يقيم وليمة كبرى في الغابة ذاتها. وإِذ رأَت حبيبتُه ما جرى للفتاة الملاحَقَة وكيف عضَّها كلاب الصيد، غيَّرَت رأْيها وعادت إِلى حبيبها ناستادجيو وعاشا من جديد قصة حب كبير.

بوتيتشلي: “وليمة في غابة الصنوبر”

ليوناردو دافنتشي: “العشاء الأَخير” (1498)

حين وضع دافنتشي (1452-1519) لوحته “العشاء الأَخير” لم يكن يحدُسُ أَن ستصبح أَشهر لوحة على الإِطلاق في العالم لتلك الوليمة بين المسيح وتلامذته. لكن مأْساة هذه اللوحة (الموجودة حاليًّا في كنيسة “القديسة ماريا سيدة النعمة” داخل دير الدومينيكان في ميلانو) أَنَّ أَلوانها تتآكل مع السنوات، لأَن ليوناردو كان مستعجلًا في رسمها فاستعمل تقنيات أُخرى غير تلك المأْلوفة، إِذ راح يطلي طبقاتها بالأَلوان المتعاقبة قبل أَن تجفَّ الأَلوان كفايةً في الطبقة السابقة، ما استوجب ترميمها مرات عدة مع العقود المتتالية. ولم يذكر أَيُّ مرجع في تاريخ الفن سبب استعجال ليوناردو في رسم تلك الرائعة الخالدة.

 دافنتشي: “العشاء الأَخير”

فان غوخ: “آكلو البطاطا” (1884)

عاش الرسام الهولندي فنسنت فان غوخ (1853-1890) نحو سنتَين مع أهله في قرية نيونن الهولندية الصغيرة، كان خلالهما يتردَّد على عمال المناجم ويرسم لديهم من وحي ما يعاينه هناك، متخذًا من بعضهم نماذج أَمام مَلْوَنِه لقاء دُريهمات يدفعها لهم. في لوحته “آكلو البطاطا” رسم أَفراد أُسرة صغيرة يعملون في المناجم، متحلِّقين مساءً حول الطاولة بعد نهار طويل من العمل المضني، يتناولون البطاطا المشوية التي لا يملكون سواها للعشاء. واستعمل لها فان غوخ الأَلوان الترابية الغامقة، بُــنِّــيَّــها والأَخضر، لإِضفاء جو الأَرض على وُجُوه هؤُلاء الفلَّاحين الذين اقتلَعوا رؤُوس البطاطا من أَرضهم، ورسَمَهم بأَيديهم الغليظة ووجوههم المتعَبَة على حقيقتها.

فان غوخ: “آكلو البطاطا”

 

بيتر بروغِل: “عرس فلّاحيّ” (1567)

هوذا أَيضًا الأَلماني بيتر بروغل (1530-1569) يرسم فلاحين يحتفلون بعرسِ ثنائيٍّ تزوَّج حديثًا، وتظهر العروس جالسة تحت تاج من ورق يبدو كأَنه مصباح، فيما العريس غائب على عادة  الفْلِنْدِريين فترتئذٍ (شمالي بلجيكا اليوم). ومن فقر الوليمة أَن ليس فيها سوى الخبز والحساء الساخن على أَنواعه، لكن نوع الطعام لم يمنع البهجة من أَن تعُمَّ الجمع الحاضر.

فيلاسكيز: “عجوز تقلي البيض” (1618)

من اللافت في سيرة الرسام الإِسباني ديــيـغو فيلاسكيز (1599-1660) أنْ قبل اشتهاره الرسام الأَول في بلاط ملك إِسبانيا فيليب الرابع، كان يرسم ناسًا بسطاء في مشاهد من حياتهم اليومية. في هذه اللوحة “عجوز تقلي البيض” رسم امرَأَة تبدو كأَنها شبه عمياء تقلي البيض، إِلى جانبها فتًى لا نعرف إِن كان حفيدَها أَو ولدًا طائحًا ينوي اختطاف قنينة الزيت والبيضة. لكن الذي يلفت نقاد الفن: توزُّع النور والظل على مساحات الزجاج والقماش والنحاس والخزَف. وينسب نقاد الفن هذه اللوحة إِلى فن “البوديغون” الذي كان رائجًا في إِسبانيا بين القرنين السادس عشر والثامن عشر كطبيعة صامتة مختلفة عن المشاهد الصامتة المأْلوفة في الفن العام، لأَنها تتركَّز على رسم كل ما له علاقة بالمآكل ومشاهد من أَدوات المطبخ.

فيلاسكيز: “عجوز تقلي البيض”  

إِدوار مانيه: “غداء على العشب” (1862)

عادةً، منظَرُ امرأَة عارية في اللوحة لم يكن يصدم الناس في القرن التاسع عشر حين هي بجمال فينوس أَو داناي (من الميثولوجيا اليونانية). لكن الصادم في لوحة مانيه (1832-1883) أَن تكون السيدة المترفة من قصور فرنسا جالسةً عاريةً كليًّا بين رجُلَين بكامل ملابسهما، وهي تحدِّق مباشرةً في عين مُشاهد اللوحة كأَنها تقول له: “أَلا تعتقد أَنك، في سرِّك، تشبه هذين الرجُلَين كسائر الرجال الذين يعاملون المرأَة كأَنها أَداةُ متعة فقط”؟ ولأَن المشهد كان صادمًا المجتمع الفرنسي عصرئذٍ، رفضَ المسؤُولون عرض اللوحة في معرض باريس السنوي سنة 1863.

عن -النهار العربي

اترك رد