منبر العراق الحر :
منذ لحظة ميلاد البشرية، كانت المرأة شريان الحياة، وحاملة الأمل، ومرآة الإنسانية وفي صمتها أعمق حكمة، وفي حضورها أبلغ تأثير ولم تكن يومًا مجرد كيان بيولوجي، بل كانت وستظل قوة فاعلة تصنع التاريخ وتكتب المستقبل عبر العصور شاهدنا المرأة تتحدى القيود، وتكسر القوالب، وتثبت أن العطاء ليس مرتبطًا بالزمان أو المكان، بل هو جوهرها الذي لا ينضب.
ففي حضارات ما بين النهرين وبلاد الرافدين، كانت المرأة تشارك في شؤون المجتمع، تُعلم، تُرعى، وتساهم في الحياة الاقتصادية والثقافية كما ان الأم الفرعونية كانت مدرسة الحياة، والملكة زنوبيا في تدمر كانت رمزًا للشجاعة والقيادة أما في بلاد الرافدين، فقد كانت المرأة العراقية القديمة، في المدن المزدهرة على ضفاف الأنهار، صانعة للثقافة والفكر، تشارك في الزراعة، التجارة، والتعليم، وتترك أثرها في كل بيت، وفي كل حضارة.
فالمرأة ليست مجرد واجهة للحياة، بل هي الجوهر الذي يعطي للحياة معنى والأم تحمل بين أحشائها مستقبل أمة، وتغرس في نفوس الأبناء القيم والأخلاق وهي التي تمنح البيت دفئه، والروح استقرارها فالمرأة الزوجة ليست مجرد رفيقة، بل شريك حياة تحمل معه المسؤولية، تبني معه الأمل وتشارك في صنع القرار بكل حكمة وحنكة. والأخت، التي تمثل الدعم والسند، تعلمنا أن القوة الحقيقية ليست في العنف أو السيطرة، بل في القدرة على الحماية والرعاية، والوقوف جنبًا إلى جنب مع من نحب.
وعلى مر التاريخ، أثبتت النساء أنهن قادرات على قيادة الأمم فخديجة بنت خويلد رضي الله عنها كانت رائدة الأعمال قبل أكثر من أربعة عشر قرنًا وسيدة القرون الوسطى التي جمعت بين القوة المالية والحكمة الإنسانية ومن بعدها فاطمة الزهراء عليها السلام في التربية والدعوة وليزا مينيل وفريدا كاهلو في الفن وماري كوري في العلم، وغيرهن من نساء كتبن أسماءهن بحروف من نور في سجل الإنسانية ولقد أثبتن جميعًا أن المرأة ليست مجرد تابع، بل هي مبتكرة، ومفكرة، وقائدة، وصانعة تغيير.
وقوة المرأة لا تقاس بالشهرة أو النجاح فقط، بل تقاس بالصبر والمقاومة فالمرأة تصارع الحياة اليومية، تواجه التحديات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وفي كل لحظة تعيشها، تثبت أن القوة ليست فقط في العضلات، بل في القلب والعقل والروح كل ابتسامة امرأة في وجه الصعاب، وكل دمعة في صمتها، تحمل رسالة للعالم : لا شيء يستطيع كسر إرادتها، ولا قيود يمكن أن تحد من طموحها.
وفي العصر الحديث، نجد المرأة تتبوأ مواقع القيادة في كل مكان ومن السياسية التي تغير مجرى التاريخ، إلى الطبيبة التي تنقذ حياة، إلى الفنانة التي تلهم الأجيال إلى المهندسة التي تبني المدن، إلى الباحثة التي تفتح آفاق العلم والمعرفة فالمرأة اليوم ليست مجرد مشاركة، بل هي قوة فاعلة تلهم الآخرين وتغير واقعهم، وتثبت أن المجتمع الذي يمكّن المرأة هو مجتمع أقوى وأكثر توازنًا وتقدمًا.
اما المرأة العراقية، على وجه الخصوص هي نموذج حي للصمود والقوة. في زمن الحروب والصراعات، كانت المرأة العراقية صامدة، محافظة على بيتها، تعلم أطفالها تعمل في ميادين العلم والفن والسياسة وتترك أثرًا خالدًا في تاريخ وطنها كما إنها المرأة التي صنعت المستحيل رغم الألم والخطر، ولم تتوقف عن الحلم بمستقبل أفضل.
ولا يمكن الحديث عن المرأة دون الحديث عن المساواة والحقوق وتمكين المرأة ليس رفاهية، بل ضرورة إنسانية ففي المجتمعات التي تمنح المرأة حقوقها، وتقدر دورها في جميع المجالات، هي مجتمعات أقوى وأكثر تقدمًا وازدهارًا والمرأة ليست خصمًا للرجل بل شريكته في كل رحلة، وصانعة الأمل في كل مجتمع، ومصدر القوة في كل أمة.
ولعل أعظم درس تعلّمناه من المرأة، هو أن القوة الحقيقية ليست في السيطرة أو الهيمنة، بل في القدرة على الحب، على العطاء، على الصبر، وعلى الإبداع. كل يوم تمر به المرأة هو شهادة على الإرادة، ودليل على أن الإنسان لا يمكن أن يعيش بدون روحها الملهمة وفي صمتها حكمة، وفي ابتسامتها شجاعة، وفي كل حركة تقوم بها رسالة للعالم بأن الحياة تصبح أفضل عندما تحترم المرأة وتُقدر.
كما إن المرأة ليست مجرد كائن بشري، بل هي مزيج من الجمال، والروح، والعقل والقدرة على الإبداع وإنها صانعة الحضارات، وملهِمة الفنون، ورافعة المعايير الأخلاقية، وحاملة الأمل في وجه اليأس. كل إنجاز حققته البشرية، وكل تقدم شهدته الأمم، لم يكن ليحدث بدون مشاركة المرأة، وبدون قوتها وصبرها وعطائها.
ختامًا، نقف اليوم لنقول للمرأة : أنتِ القوة الصامتة التي تصنع الأثر الكبير، أنتِ الروح التي لا تنكسر، أنتِ النور الذي يضيء دروب الأجيال، وأنتِ المستقبل الذي يحمل الأمل في قلبه وكل يوم يمر، يثبت أن العالم لا يكتمل إلا بك، وأن الحياة لا تزدهر إلا بحضورك، وأن الإنسانية لا تصل إلى ذروتها إلا عندما تُقدَّر قيمتك وتُحترم حقوقك بكل معنى الكلمة.
منبر العراق الحر منبر العراق الحر