قراءة نقدية في خطاب المحللين السياسيين على الشاشة : بين التحليل والصراخ والجدل الذي لا ينتهي..د.رافد حميد القاضي

منبر العراق الحر :

في الإعلام السياسي الحديث، لم يعد دور المحلل مقتصرًا على الشرح والتوضيح فقط، بل أصبح المسرح المفتوح للمشادات الجدالات الحادة، والصياح الذي يغطي على أحيانًا على الجوهر السياسي نفسه فبينما يسعى المشاهدون للحصول على تحليل موضوعي وهادئ للأحداث، غالبًا ما يجدون أنفسهم أمام مسرحية من الصراخ والتصادم الشخصي، والجدل المفتعل، حيث يتحول النقاش من تبادل الآراء إلى منافسة لاحتلال الشاشة وإثبات الذات.

_الصراع على الشاشة :
منطق الغضب والسيطرة يظهر بوضوح أن بعض المحللين السياسيين يستخدمون الصياح والتوتر كأداة للسيطرة على الحوار. فحين يتعارض رأيان متضادان على الهواء مباشرة، لا يقتصر الأمر على الاختلاف الفكري، بل يتحول إلى منافسة شخصية حيث يسعى كل طرف لجذب انتباه المشاهدين وفرض حضوره، أحيانًا على حساب الموضوعية.

وفي كثير من الأحيان، تتخلل هذه المشادات انتقادات حادة، مقاطعات مستمرة، وحتى اتهامات بالتحيز السياسي أو المصلحة الشخصية فالمشاهد الذي يبحث عن تحليل هادئ للسياسة يجد نفسه أمام مهرجان من الأصوات المرتفعة، ونبرة تهديدية، ومشاعر مشتعلة، وكأن الشاشة أصبحت ساحة للمواجهة لا للشرح.

_أسباب المشادات والصياح :
يمكن تلخيص أسباب هذه المشادات بين المحللين في عدة نقاط رئيسية :

1. التنافس على الشهرة :
يريد كل محلل أن يثبت نفسه، وأن يترك أثرًا في ذهن المشاهد، ما يدفعه أحيانًا إلى رفع صوته، ومقاطعة الآخرين، واستخدام لغة هجومية.

2. التحيز السياسي :
بعض المحللين يدافعون عن جهة سياسية معينة بشكل صارخ، فتتصادم تحليلاتهم مع زملائهم الذين ينتمون إلى تيارات مختلفة، وتتحول المناقشة إلى معركة لفظية أكثر من كونها تحليلية.

3. سوء إدارة الحوار :
بعض برامج التحليل تفتقر إلى إدارة دقيقة للنقاش، فتترك المجال للمشادات لتتصاعد ما يجعل الصياح والتدخلات المتكررة جزءًا طبيعيًا من الحوار.

4. الجمهور والتفاعل اللحظي :
إدراك المحللين أن الجمهور يحب الدراما والخلاف يدفعهم إلى تعزيز النزاع كوسيلة لجذب المشاهدين وزيادة نسب المشاهدة حتى لو كان ذلك على حساب المهنية.

_أخطاء شائعة أثناء التحليل على الشاشة
إلى جانب المشادات، هناك أخطاء عديدة تتكرر على الهواء مباشرة :

_ تقديم معلومات خاطئة أو غير دقيقة : أحيانًا يطلق المحلل بيانات غير موثقة تحت ضغط الزمن أو الرغبة في الصياح والظهور أولاً.

_التعميمات المبالغ فيها :
استخدام كلمات مثل “الجميع” أو “لا أحد” بشكل مبالغ فيه، ما يؤدي إلى تضليل المشاهد.

_ الهجوم الشخصي بدل النقد الموضوعي : بدلاً من تحليل السياسة، يتحول الحوار إلى انتقاد الشخصية أو التحامل على الخلفية السياسية للخصم.

_ المقاطعة المستمرة :
كثير من المحللين يصعب عليهم الانتظار حتى ينهي الطرف الآخر كلامه، ما يحول النقاش إلى فوضى متواصلة.

_ الأمثلة الواقعية : العراق نموذجًا
في العراق، تُعد القنوات الإخبارية السياسية مثل (تلفزيون الحدث، العراقية الإخبارية، السومرية نيوز) مسرحًا يوميًا لهذه المشادات وكثيرًا ما نشاهد :
.محلل يدافع عن جهة سياسية معينة، بينما يحاول زميله تفنيد آرائه، لينتهي الحوار بالصياح والتهجم اللفظي.

.نقاشات تتحول إلى جدالات حادة حول السياسات الاقتصادية أو التحالفات السياسية، حيث تُطرح الاتهامات بالتواطؤ أو فساد مؤسسة أو الفساد لدى جهات معارضة.

.جمهور المشاهدين يتابع المشهد أحيانًا كـ “دراما سياسية” أكثر من كونها تحليلاً موضوعيًا، فتزيد هذه النزاعات من نسب المشاهدة، لكنها تقلل من مصداقية التحليل.

.الصياح كأداة تأثير على الرغم من أنه يبدو سلوكًا عدوانيًا، إلا أن الصياح أحيانًا يعزز التأثير النفسي للمحلل فالصوت المرتفع والثقة في التعبير يمكن أن تجعل الجمهور يتذكر ما قاله المحلل أكثر من المعلومات الفعلية ومع ذلك، هذه التقنية قد تؤدي إلى فقدان المصداقية إذا أفرط فيها المحلل أو استخدمها لتبرير الأخطاء.

_ الحلول والبدائل…
.إدارة الحوار بشكل صارم
.ضرورة وجود منسق أو مذيع قادر على كبح المشادات عند تصاعدها
.تدريب المحللين على ضبط النفس
.تعليم طرق عرض الآراء دون الصياح أو المقاطعة المستمرة.
.التركيز على الحقائق أولاً
.تشجيع المحللين على التحقق من المعلومات قبل عرضها على الهواء.
.الفصل بين الرأي والتحليل
.توضيح الفرق بين الرأي الشخصي والتحليل المبني على بيانات موثوقة.

ختاما المحللون السياسيون على الشاشة اليوم يمثلون خليطًا من التحليل، الصراعات الشخصية، المشادات، والصياح وهم جزء من اللعبة الإعلامية، حيث يشكلون صورة السياسة أمام الجمهور، لكنهم في الوقت نفسه معرضون لتقويض مصداقيتهم إذا لم يوازنوا بين التأثير والموضوعية، بين الصوت العالي والمعلومة الدقيقة، بين الجدال والشروح المفيدة.

بالتالي فأن الشاشة أصبحت مرآة للمشهد السياسي لكنها أحيانًا تعكس أكثر الدراما والصراعات الشخصية من الحقيقة والتحليل الموضوعي ومع التطور الرقمي وانتشار منصات التواصل، سيظل التحدي الأكبر أمام المحللين هو تحويل النزاعات والصياح إلى أدوات لتحفيز النقاش العقلاني، لا مجرد جذب المشاهدين بالدراما والخلافات.
د.رافد حميد فرج القاضي

اترك رد