منبر العراق الحر :
لا أحد يستطيع أن ينكر أن مواقع التواصل الاجتماعي وكظاهرة إعلاميّة ، لعبت دوراً كبيراً في مجال الوعي السياسي والثقافي ، واستطاعت أن تستقطب شريحة كبيرة من المجتمع بمختلف فئآته العمرية ، ولكن شريحة الشباب هي الأوسع ، والأكثر تأثيراً في المجتمع ، حال كونهم الشريحة الأكثر تفاعلاً في الميدان .
طبعاً آخذين بعين الاعتبار أن هناك مواقع مشبوهة هدفها بثّ الفتنة ، والمعلومة المزيّفة ، بهدفِ جرّ شريحة من الشعب إلى جانبها ، وتوظيفهم لترويج إعلامٍ سياسي وثقاقي مأجور وشرير .
فهناك جوانب إيجابية في هذا المجال ، وهناك جوانب سلبية تعتمد على ثقافة التبعية العمياء لهذا الاتجاه أو ذاك .
والجميع تابع ويعلم أن الشوارع العربية التي شهدت أحداث الربيع العبري ، قد تم تحريكها من خلال تنسيق مسبق ومبرمج لمواقع التواصل الاجتماعي .
ولكن بشكلٍ عام إن وسائل الاتصال الاجتماعي تقوم في هذا الزمن بدورٍ بارزٍ وكبير في الأحداث والتغييرات السياسية التي تصيب المجتمعات العربية ، وتابعنا ذلك في بعض البلدان التي أصابتها رياح التغيير المسبق الصنع .
وليس فقط على مستوى الساحة العربية ، بل لعبت هذه المواقع دوراً كبيراً وبارزاً في البلدان المتقدمة كأوروبا والولايات المتحدة ، حيث قام سياسيون باستخدام مواقع لالتواصل الاجتماعي في حملاتهم الانتخابية وفي تصريحاتهم بهدف إيصال صوتهم إلى الآخرين بالسرعة المنشودة ، مثل التغريدات التي تُنشر على تويتر ، ترامب على سبيل المثال .
وإذا عدنا إلى الوراء قليلاً نرى هذه المواقع لعبت دوراً بارزاً في عام 2009 في الاحتجاجات الواسعة في الشارع الايراتي ، حيث سُمّيت بثورة تويتر . والحراك الأخير الذي شهدته الساحة العربية أطلقوا عليه إسم ثورة الفيس بوك ، نظراً لاستخدامه بشكل واسع في الأحداث .
جميعنا ندرك أن هذه المواقع لعبت دوراً نشطاً في عملية التواصل السياسي ، ولكن بنفس الوقت علينا أن نبحث أو نتوقّف قليلاً حول طبيعة إستخدامات هذه المواقع السياسية وأغراضها ومضامينها وأهدافها إعلامياً وسياسياً ، وتأثيرها على الإعلام والسياسة وثقافة المجتمع بشكلٍ عام .
فهناك تغييرات ثقافية واجتماعية وسياسية عميقة في سلوك الناس ، وفي طريقة حصولهم على المعلومة والخبر بغضِ النظر عن سلامتها ، أو مصدرها وإلى ماذا تروم .
وهناك تغييرات في طريقة تعبيرهم عن الرأي أو الموقف نحو أي قضية أو أي موضوع ، وهذه الأمور تؤكّد لنا أن هذه المواقع أصبحت وسائل نشطة وتنافس وسائل الإعلام الجماهيري أو الرسمي ، علاوةً على أنها تعتمد وسيلة لكسب الناس والتحريض والتنظيم والدعم لها .
وما قامت به هذه المواقع جعلت من الفرد متأهباً مستعداً عصبياً ، ذو نفسية متدنية ، وهذه الأمور طبعاً تعتمد على خبرة وثقافة الفرد ، لكنها أي المواقع جعلت من نفسها ذات أثرٍ توجيهي نشط وفعال بهدف إستجابة الفرد لجميع الموضوعات والمواقف التي تطرحها بغض النظر إن كانت سلبية أو إيجابية أو معتدلة ، وخاصّة فيما يختص بالقيم والمعتقدات السياسية والثوابت الوطنية .
ومن المعلوم أن القوى التي تمتلك الإعلام الأقوى الموجّه هي التي تتحكّم بمسار الأمور ، لذلك علينا أن نناشد الجميع من أجل التوجّه بجدّية نحو الإعلام الملتزم بهذف حماية الأوطان والأمّة .
حيث أن المواقع ومن خلال التكنولوجيا تفرض سياسة الهيمنة والسيطرة على الفرد ، حيث تقتحم حياته الشخصية وتفكك علاقاته وفق مصالحها .
وهناك مواقع تُمثّل حالة من الحراك الفكري ، وهمّها النقاش حول الأوضاع الاجتماعية والسياسية والثقافية والفكرية ، والنقد اللاذع لممارسات سياسية معيّنة ، تمتد من مجرد كتابة تعليق أو رأي ، إلى تعليق روابط من الصحف والقنوات الفضائية حول أخبار محددة أو قضايا معينة تثير إهتمام المستخدمين ، وتكوين مجموعات وكتل رأي مهتمة بشأنٍ معيّن أو سياسيٍ ما ، وهدفها الضغط على أصحاب القرار تجاه موضوعٍ ما ، وقد تبيح فيما بعد إستخدام الفوضى والشغب والقوة ، آخذين بعين الاعتبار أن هكذا مواقع تدرس الظروف الاجتماعية والنفسية والمادية للأفراد من خلال علاقاتهم بها .
وبنفس الوقت آخذين بعين الإعتبار أيضاً أن هناك جمهور إيجابي يبحث وينتقي ويقبل ويرفض ، فهو يقبل كل ما هو مفيد لوطنه ولشعبه ولثوابته وقيمه ، ويرفض ما يتنافى مع أخلاقه وحسّه الوطني والقومي .
لذلك أقول ، ومن منطلقٍ وطني ، لا بُدّ من الجهات المعنية في الأوطان والأمة بالرقابة المشددة ، أو إيجاد بدائل أفضل من فرض الرقابة على الاستخدامات ومضامين هذه الاستخدامات ، والإسهام في كشف الحقائق السياسية ونشرها على الملأ بهدف التأثير على الرأي العام ، الذي يجب تزويده بالأخبار بكل شفافية وصدق لتلافي الاعتماد على مصادر مشبوهة وغير موثوقة .
ويجب على الجهات المعنية عدم الركون إلى ضعف منافسة المواقع المشار إليها ، وإيجاد البدائل الوطنية التي ترتبط مع الشعب بشكلٍ مباشر بكل صدقٍ وشفافية وأمانة ، بهدف قطع الطريق أمام أي إعلامٍ أسود مشبوه .
وبنفس الوقت إن تعزيز العلاقة بين وسائل الإعلام البديل والجهات المعنية وتنميتها للوعي السياسي والثقافي والفكري والاجتماعي من خلال ثوابت الأوطان والأمّة ، هو أمر ضروري ومهم ، وهو حاجة من حاجات الأوطان والمجتمع ، خاصّة في ظلّ هجمة العدوان الشرسة التي تروم إلى مسح الهوية الوطنية .
لا بد من ضمان الحرية التامة للأفراد في التعبير عن رأيهم ما دامت ضمن الخندق الوطني ، وكذلك لا بُدّ من معاقبة أصحاب الحسابات الخاصّة التي تُروّج للأفكار الهدامة ، وتبث الاشاعات التي من شأنها خلق الفتنة والكراهية في البلاد المترامية الأطراف .
وجميلٌ جداً أن يتم إستثمار مواقع التواصل لنشر الفكر العربي والثقافة الوطنية وتعزيز روح الإنتماء لدى الأفراد ، بعيداً عن أي طرحٍ طائفي أو مذهبي أو عرقي . وتعميق روح المسؤولية والوعي بين الناس بمضامين الغزو الثقافي والاعلامي والفكري وسلبياته على المجتمع والأوطان والأمة ، ووضع آليات واستراتيجيات عملية لمواجهة المحتوى الاعلامي والسياسي غير الهادف التي تستهدف قيم ومفاهيم وأخلاق المجتمع العربي وثوابته .
منطقة المرفقات