منبر العراق الحر :
مشاكلنا الراهنة لا يمكن التغلب عليها سياسيا اذا لم نكن قادرين على ان نتغلب عليها اجتماعيا وثقافيا ‘ المناخ السياسي تأسس على اساس العصبيات الحزبية والفئوية والتنافر والاحتراب الصامت وتصفية الحسابات والمقايضات. لذلك غالبا ما تنتهي حكوماتنا بالاقصاء والتآمر والملاحقات القانونية . وهذا مؤشر على عمق الصراع الذي يدور فيما ما بين القوى السياسية ‘ تجدهم يجلسون على طاولة مستديرة واحدة لكنهم يختلفون على نوعية التحالفات لان كل طرف يبحث عن مصالحه خلف الكواليس بعلم او من دون علم الاطراف الاخرى حتى ان اطرافا خارجية ممكن ان تدخل في اللحظات الحرجة على الخط في لعبة التنافس والتحالف . ان جميع تلك الاطراف المتصالحة ظاهريا والمتعادية والمتناحرة داخليا لا يمكن لها ان تجتمع على قرار وطني واحد . هذا الامر ينسحب على القوى الاجتماعية وعلى القبائل والعشائر فيما بينها لذلك لم تترسخ لحد الان رؤيتنا للدولة المدنية او المجتمع المدني لان وجودنا قائم على تراكمات قبلية وطائفية ودينية وعقائدية واثنية وقومية . كل هذه الجماعات مختلفة جذريا فيما بينها على مستوى الايديولوجيا والرغبات والنزوات والحاجات. لقد فشلت الكثير من انظمة الحكم ان ترسخ مفاهيم ثابتة او اعراف رصينة وسرعان ما تختفي خطابات وبيانات وشعارات النظام بعد زواله او اختفائه والسبب لانها لم تكن استجابة حقيقية لهموم المجتمع السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ان الفوضى والدمار وعرقلة بناء الدولة والنهب والفساد وغياب العدالة والاستهتار والفلتان وعدم الاهلية الوظيفية والمحاصصة شوهت تفاصيل الحياة اليومية وسمحت هذه السلوكيات المعقدة ان يسود المجتمع الهرج والمرج . قارب عمر الدولة العراقية الى قرن من الزمان وخلال هذه القرن من الثورات والانقلابات والاغتيالات والسجون والسحل والمقابر الجماعية والنظريات والايدلوجيا والفنون لم نجد ملامح لمدرسة نقدية في السياسة . خلاصة هذه التجارب المريرة والكارثية ومع ذلك لا يوجد من يتجرأ على نقد البنية العقلية السياسية او بعبارة اصح لا توجد ادوات حقيقية للنقد اذا ما اعتبرنا ان نقد العقل السياسي لابد ان يمر بالضرورة بنقد العقل الاجتماعي الذي يعتبر الحاضنة والبيئة الاساسية للذهنية السياسية. لقد فشلت معظم القوى السياسية وخاصة الحديثة منها في انتاج نخبة من المثقفين السياسين والمفكرين ‘ ونجحت هذه القوى في انتاج كم لا بأس به من الببغاوات ‘ عقول ملقنة ومروضة ومدجنة ونظرة واحدة على ما نشاهده في القنوات الفضائية من نماذج تعطينا دليلا على ذلك. لدينا في العراق امكانيات تفوق امكانيات الكثير من دول الغرب ‘ لدينا غابات ونفط ومعادن . اكثر مناطقنا فيها ثروات هائلة فضلا عن الثروات الطبيعية التي تحت الارض وفوقها. والمشكلة ليست هنا بل في العقلية التي تدير وتتحكم بهذه الثروات وفي نوعية النظام السياسي .علينا كنخب ثقافية وفكرية وبحثية واعلامية استشراف المستقبل ‘ والمستقبل علم ومعرفة وبحث وتقصي واكتشاف وتخطيط وطرق بناء . وبين انهيار حقبة وبداية حقبة جديدة ثمة ملامح لمستقبل العراق اخذت تتشكل وتتكامل مع وجود حكومة جديدة وطاقم مخلص من ابناء هذه الامة الباسلة والعظيمة نثق بهم وهم قادرون على بناء مستقبل اخر .