أمام الكعبة، بعد صلاة الفجر… عبد يونس لافي

منبر العراق الحر :

أجلسُ في مكانٍ مرتفع،
من أرضِ المسجدِ الحرام.
لا تفصلُني عن الكعبةِ إلّا
مسافةٌ يملأُها فضاءْ.
واسْتغْرقتُ كالعادةِ في ابْتهالٍ،
مازَجَهُ وافِرٌ من بكاءْ،
والبكاءُ هنا في عُرفي دواءُ.

أرى الجموعَ تطوفُ بلا انْقِطاعْ،
فالكلُّ مجتهدٌ الى رضا الرحمنِ ساعْ.
والمشهدُ يُذْهِلُ من يَراه!
ولربَّما كان ما تاهَ على
شَفَتَيَّ من هاتيكَ التَّمْتَماتْ،
فاقَ في وقعِهِ،
ما يُمكنُ أنْ تفعلَه أمضى الكلماتْ.

رحتُ أكتبُ كلَّما هدأ البكاءْ.
اكتب ما يُبيحُ القلبُ من وجْدي،
وأنا المعنيُّ بما أكتب وحدي.

عند صلاةِ الفجْرِ،
كنت أبحثُ عن مكانْ،
ما همَّني أين يكونُ ذيّاكَ المكانْ.
كُثْرٌ هم المصلّونَ، دسَسْتُ نفسي بينهم.
كان بجنبي رجلٌ،
رأيتُه على الكرسِيِّ يجلسْ.

وحين وضعتُ حقيبتي
قدّامَ ذلك الكرسي،
أشارَ إليَّ كي أرفعَها،
قلتُ مهلاً فأنا، رعاكَ اللهُ، فاعل.
فسحبتُها ووضَعْتُها قُربي ولكنْ
جارِيَ لا يرغبُ شخصًا قربَهُ!
فبدأتُ انظرُ حوليَ عَلّني أجدُ المكان،
فوجدْتُه لكنْ قُبالةَ صاحبي.
حمدتُ اللهَ أنّي،
سأكونُ في حِلٍّ،
من الذي أُوْقِعْتُ فيهِ.

طَفِقْتُ أُصلّي وإذا بذات الشخصِ يدفعُني
من الخلفِ كي أتقدَّمْ،
واسْتَجَبْتُ كظمتُ غيظي،
فهذا مكانٌ لا يليقُ به الغضبْ.
وحين أنهيْتُ الصلاة
تقدَّمتُ إليهِ قلتُ لهُ:
كأنَّك ترغبُ أن يكونَ لك المسجدُ كلَّهُ!

لم يُجِبْ ….. ورجعتُ يحملُني الألمْ،
لأنَّ صلاتَنا هنا لها طعمٌ فريدْ
فهْيَ غيرُ عاديَّة،
في مكان غيرِ عاديٍّ،
هكذا الموقفُ قد دعاني للبُكاء!

عاد صاحبي يَنْغَزُ ظهري تارةً اخرى.
لم التفتْ، كنتُ أبكي،
خرجتُ وإذا هو واقِفٌ،
يطلبُ العفوَ منّي،
فلما راۤني باكِيًا،
راحَ ، هو الآخرُ، يبكي.

بدا لي أنَّه شيخٌ مِصريٌّ
حيث قال في المصريَّة العاميَّة:
(يا ابْني احنة گينا نِكسَب الزنوب ولّا نِمْحيها)
وبدأ يعانقُني وأنا أبكي،
ثم راحَ يُقبِّلني من رأسي،
وكتفي ويبكي.
قلت نرجو اللهَ أن يُسامحَنا معًا.

لا أشكُّ أنَّنا أثَرْنا انْتباهَ الآخرين.
رجلانِ يقفانِ بين المصلينَ
ويستمرّان في البكاء!
إنَّه مشهدٌ لا شكَّ غريب.

هل تريدُ، تربتْ يداكَ،
أن أُخْبِرَ ايُّها القارئُ بعد هذا
لماذا كنت أبكي
وانا اجلسُ قُبالةَ الكعبة؟

الحياة يا عزيزي مدرسة،
نتعلم منها ما لا نتعلَّمُه من غيرها،
أليسَ كذلك؟ سلام.

اترك رد