قراءة في المفاهيم الاساسية لنظرية العدالة …. محمد جواد الميالي

منبر العراق الحر :نظرية العدالة في الفلسفة السياسية لجون راولز هي العمل الأساسي الذي كان له تأثير عميق على المناقشات المعاصرة للعدالة الإجتماعية، يقدم الكتاب مقاربة جديدة لمسألة العدالة، مع التركيز على فكرة المجتمع العادل الذي يتمتع فيه الأفراد بالمساواة في الوصول إلى الحريات وفرص المعيشة الأساسية، حيث يتم فيه ترتيب التفاوتات الإقتصادية والإجتماعية لصالح الأفراد الأقل حظاً في المجتمع، ولفهم تفاصيل هذه النظرية يجب علينا عمل دراسة تحليلية لفحص الحجج والمفاهيم الرئيسية المقدمة في نظرية راولز وتقييم نقاط القوة والضعف فيها.
يبدأ جون بطرح سيناريو أفتراضي، يسميه الوضع الأصلي، حيث يقع الأفراد خلف حجاب الجهل، يمنع هذا الحجاب الأفراد من معرفة وضعهم الإجتماعي أو قدراتهم أو أهتماماتهم، يقول الكاتب بأن هذا السيناريو الإفتراضي يمكّن الأفراد من التفكير في العدالة بطريقة غير منحازة، حيث ليس لديهم معرفة بمصالحهم الخاصة التي يمكن أن تحيز أحكامهم، من الموقف الأصلي، يقترح راولز مبدأين للعدالة: مبدأ الحرية ومبدأ الإختلاف.
ينص مبدأ الحرية على أن لكل شخص حق متساوٍ في الحريات الأساسية الأكثر شمولاً والمتوافقة مع حرية مماثلة للآخرين، يقر هذا المبدأ بأهمية الحرية والحقوق الفردية، ويضع أساساً للمساواة في الوصول إلى الحريات الأساسية مثل حرية التعبير وتكوين الجماعات وأعتناق الأديان، يجادل جون بأن هذا المبدأ ضروري لمجتمع عادل.
ينص مبدأ الإختلاف على أنه يجب ترتيب التفاوتات الإجتماعية والأقتصادية بحيث تحقق أقصى فائدة لأفراد المجتمع الأقل حظاً، وترتبط بمناصب مفتوحة للجميع في ظل ظروف تكافؤ الفرص العادلة، يعترف هذا المبدأ بأن التفاوتات الإقتصادية والإجتماعية أمر لا مفر منه في أي مجتمع، لكنه يجادل بأنه لا يمكن تبريرها إلا إذا تم ترتيبها لصالح أفراد المجتمع الأقل حظاً، ومن ثم فإن هذا المبدأ يضع إطاراً للسياسة الإقتصادية والإجتماعية التي تعطي الأولوية لرفاهية أفراد المجتمع الأكثر ضعفاً.
تتمثل إحدى نقاط القوة الرئيسية في نظرية راولز في تأكيدها على أهمية الحرية والحقوق الفردية، من خلال الإعتراف بالحق المتساوي في الحريات الأساسية، يؤسس جون دفاعاً قوياً عن الإستقلال الذاتي الفردي الضروري لمجتمع عادل، علاوة على ذلك، يوفر مبدأ الإختلاف إطاراً للسياسة الإقتصادية والإجتماعية يرتكز على مبدأ العدالة وليس مجرد المنفعة أو الكفاءة.
مع ذلك، تعرضت نظرية الكاتب أيضاً لعدد من الإنتقادات، أحد الإعتراضات الشائعة هو أن الموضع الأصلي هو سيناريو أفتراضي غير واقعي له تأثير ضئيل على مواقف العالم الحقيقي، علاوة على ذلك، يجادل بعض النقاد بأن النظرية فشلت في تقديم وصف واضح لطبيعة أفراد المجتمع الأقل حظاً، وكيف ينبغي إعطاء الأولوية لمصالحهم في الممارسة العملية.
في الختام، توفر نظرية العدالة إطاراً قوياً ومؤثراً للتفكير في العدالة في المجتمع المعاصر، بينما يظل لمبدأ الحرية ومبدأ الإختلاف مساهمات مهمة في جدلية العدالة الإجتماعية، ويستمران في تشكيل المناقشات المعاصرة حول قضايا مثل عدم المساواة الإقتصادية، دور الدولة، وطبيعة الحقوق والحريات الفردية، لكن رغم أن النظرية خضعت لعدد من الإنتقادات، فإنها تظل نصاً مركزياً في الفلسفة السياسية ومورداً قيماً لأولئك الذين يسعون إلى فهم طبيعة العدالة في المجتمع الحديث.

اترك رد